karady
عدد الرسائل : 19 العمر : 74 Localisation : ------- Emploi : --------- Loisirs : ----------- تاريخ التسجيل : 12/04/2008
| موضوع: الفكر المزدوج الإثنين فبراير 23, 2009 7:31 am | |
| تمثل الليبرالية أساسا «فكرا مزدوجا» حدد ركيزتيه جان كلود ميشيا في كتابه « الفكر المزدوج عودة للمسألة الليبرالية» وذلك بمديح اقتصاد السوق من جهة،والتأكيد على دولة القانون و«تحرير العادات» من جهة أخرى. |
يشير المؤلف بداية إلى الأعمال التي قدّمها الكاتب البريطاني جورج أورويل، وفي مقدمتها «1984» ،العمل الروائي الذي كتبه عام 1948 ووصف فيه ما سيكون عليه العالم عام 1984 والعمل الآخر «مزرعة الحيوانات». ويرى أنه منذئذ أصبح الفكر الليبرالي يخدم كصيغة لآلية عمل بسيكولوجية فريدة تقوم على شيء من الكذب إذ يمكن بواسطتها للمثقف الليبرالي أن يدعم بنفس الوقت أطروحتين لا يمكن الجمع بينهما بسبب تناقضهما. |
مثل هذه الآلية تنطبق أيضا على نمط تفكير المثقفين اليساريين الجدد. هؤلاء المثقفون انضموا عملياً إلى الليبرالية الثقافية السياسية والثقافية مما يجعلهم ينضوون تحت راية نفس الآلية. لكن من أجل إنقاذ الوهم بالإخلاص للمعارك النضالية التي خاضها اليسار القديم توجب عليهم صياغة أسطورة تجمع بين إيديولوجية مجتمع الاستعراض مع ما يتضمن عليه من تقشف ديني ورقابة تربوية وتعزيز مستمر للمؤسسات البطريركية والعنصرية والعسكرية. في ظل هذه المقولات استطاع اليسار أن يستمر بالوجود ورفع شعار خرق كل الحدود الأخلاقية والثقافية وكأنها معركة مناهضة للرأسمالية. بهذا المعنى يقدم الكتاب محاولة لفهم التناقضات التي يعاني منها اليسار اليوم تحت صيغة اليسار «الحديث». |
ومن المعارك التي يدعو لها المؤلف في هذا الكتاب المطالبة بالابتعاد عن أضواء ومجتمع الاستعراض الإعلامي كما يفعل مثقفو اليسار. هذا بالرغم من ما يحتوي عليه هذا المجتمع من إيقاع سريع يدفع نحو تسطيح الأفكار ومن تصنّع في الحياة ومن عنف يومي؛ وبالإجمال مما لا يسمح بالتفكير الحقيقي. على هذا الأساس يؤكد هو نفسه أنه ينتمي «إلى تلك الفئة من الناس الطبيعيين الذين تمتلكهم القناعة أن شرط عيش الإنسان سعيداً يتطلب عيشه مغموراً» |
وتتمثل إحدى الأفكار الأساسية التي يناقشها المؤلف في القول « هناك نمط من الفعل السيكولوجي أساسه الكذب على الذات». هذا الكذب على الذات يصيب معسكر اليسار ومعسكر اليمين على حد سواء كما يقول. فاليمين يعلن عن أسفه حيال النتائج الثقافية لتعميم مفهوم السلعة وقوانين السوق على كل شيء بما في ذلك القيم الأخلاقية. أما اليسار فإنه يعلن عن استهجانه للنتائج الاقتصادية والاجتماعية لمفهوم النسبية الثقافية لقوانين ليبرالية. |
أمام هذه الازدواجية في الأوهام يمينا ويساراً يدافع المؤلف عما يسميه: «النزعة المحافظة النقدية» . وهو يشرح هذه النزعة بالقول أن «الحساسية المحافظة » إلى درجة ما ليست مستحيلة اللقاء مع الذهنية الثورية. بل إن التاريخ يبين أن مثل هذه الحساسية هي عامة شرط لذلك وأنه من المطلوب غالباً المحافظة على الأشياء القديمة للقيام ب» التحولات الأكثر راديكالية» وينقل المؤلف عن مفكر الثورة الفرنسية فولتير قوله : «عندما يتعلق الأمر بالمال يصبح جميع الناس من دين واحد» مثل هذا القول يلخص جيدا حسب رأيه ذهنية التحول العالمي نحو اعتناق الليبرالية. |
والملاحظة التي يتم تقديمها هي أن لا شيء يمكن أن يكبح تقدم التوجه الليبرالي مهما كانت آثاره الاجتماعية. وبالتالي إذا كانت الأزمة المالية العالمية توضّح في السياق الراهن مظاهر هذه الليبرالية الأكثر تخريباً فإنها مع ذلك، أي الأزمة المالية، لا تخدم اليسار في العالم الرأسمالي كي يُسمع صوته إلى المتضررين الكثيرين من الرأسمالية المالية. |
وفي مواجهة الليبرالية بالصيغة «البربرية» في انسياقها وراء متطلبات اقتصاد السوق وأيضا في مواجهة التفخيم غير المحدود للنخب الاقتصادية والسياسية و» الثقافية» من قبل وسائل الإعلام وبالمقابل تقديم «رجل الشارع» على أنه عنصري ومحدود الذكاء و«جاهل» ، يطرح المؤلف، ضرورة النظر على مطالب الطبقات الشعبية. ولا يتردد في القول: « قد أكون على خطأ،ولكنني أفضّل الرفع من شأن العاملين والناس العاديين مما هو تمجيد أولئك الذين يعيشون على حسابهم» . ويصل جان كلود ميشيا في تحليلاته إلى القول أنه لا جدوى اليوم من تكرار النداءات من أجل تعبئة «شعب اليسار» ضد» شعب اليمين». |
ولكن بالأحرى التفكير بكيفية إقامة «جبهة شعبية» متجددة تلتقي حول لغة مشتركة لجميع الطبقات الشعبية،أي جميع أولئك الذين لهم،رغم خلافاتهم وتناقضاتهم، مصلحة في وضع حد لسيطرة الرأسمالية. وفي المحصّلة يؤكد المؤلف على ضرورة أن يطرح المعنيون بالتوصل إلى الخطاب المشترك الجديد على أنفسهم السؤال الجوهري التالي:» تحت أية راية رمزية يمكن للعمل المشترك أن يعبئ أولئك الذين أطلق عليهم جورج أورويل تسمية الناس العاديين؟». |
إن مفهوم التمييز بين اليمين واليسار منذ السنوات الثمانين المنصرمة قد فقد معناه التقليدي. ذلك أن اليسار لم يعد يعني الاقتراب من مطالب الطبقات الشعبية ولكن بالأحرى الانجذاب نحو ما يحمل عنوان «الحداثة». وهذا ما يعني في الواقع الابتعاد عن تلك الشرائح الشعبية التي غدت تقترع لصالح اليمين، ليس لكون أنها مؤيدة لسيطرة الرأسمالية ولكن لرؤيتها في المواقف الجديدة لليسار ولليسار المتطرف نوعا من إيديولوجية مثقفين وفنانين من أصحاب الامتيازات والمقطوعين تماما عن الحياة الحقيقية إلى جانب ازدراء الناس البسطاء والعاديين. |
كان عمر جان كلود ميشيا 22 سنة عندما حصل على شهادة التأهيل العليا» الأغريغاسيون» في الفلسفة. بدأ حياته يساريا ثمّ تخلّى عنه لمواقفه غير الواضحة في النضال ضد الامبريالية.له عدّة مؤلفات من بينها:» المثقفون والشعب والكرة المستديرة» و» قيم الإنسان المعاصر» و»إمبراطورية أقل الشرور» طريق آدم سميث المسدود. ملاحظات قصيرة على استحالة تجاوز الرأسمالية من يسارها» . |
الكتاب: الفكر المزدوج عودة للمسألة الليبرالية |
الناشر: فلاماريون - باريس ـ 2008 |
| |
|