مستقبل وجود أمريكا العسكري في المنطقة
ففيما يتعلق بالاستقرار المحلي تعتبر الدراسة أن القواعد الأمريكية تلعب دوراً محدوداً في هذا الصدد، بل والأكثر من ذلك أن وجود مثل هذه القواعد قد تمثل دافعاً على إثارة العنف والانقلابات (الاضطرابات) الشعبية ضد تلك القواعد وضد الحكومات المستضيفة لها. وبناء على ذلك يمكن للولايات المتحدة أن تحقق الاستقرار وتحول دون وقوع الانقلابات داخل المجتمعات الخليجية من خلال تخفيض القوات الأمريكية، والاعتماد على الوسائل السياسية والاقتصادية في دعم الحكومات المنتجة للنفط وتشجيعها على تنويع اقتصادياتها وتحقيق تقدم نحو الليبرالية الدستورية.
وحسب الدراسة، فإن القوات الأمريكية تلعب كذلك دوراً محدوداً في حماية البنية التحتية النفطية في الدول الصديقة بالمنطقة، حيث أثبتت هجمات القاعدة الفاشلة التي استهدفت حقول "أبقيق" النفطية في السعودية أن الدول المنتجة للنفط أمنت بنيتها التحتية بالاعتماد على نفسها وعن طريق تطبيق إجراءات أمنية شاملة وفعالة، بل أن البعض منها عمل على تعزيز الاستراتيجيات الأمنية الراهنة، مثل السعودية التي قررت تأسيس قوة رد فعل سريعة وقوية قوامها نحو 35 ألف جندي من أجل تأمين وحماية مواردها.
أما فيما يتعلق بالهجوم على الممرات المائية، تشير الدراسة إلى أنه في حال استهدف تنظيم "القاعدة" أو إيران ناقلات البترول، فإن الرد العسكري الأمريكي سيكون بحري، ومن ثم قد تشن الولايات المتحدة عملياتها في هذه الحالة بدون قواعدها الموجودة في الخليج.
2 ـ لضمان عدم استحواذ أي فاعل دولي أو غير دولي في المنطقة على أسلحة الدمار الشامل، فكما سبق الإشارة تمثل طهران الخطر الأكبر الذي تخشاه واشنطن في هذا الخصوص. ورغم أن طبيعة اتخاذ القرارات وصنع السياسات الإيرانية تجعل من الصعوبة بمكان تحديد وبشكل قاطع الدوافع وراء سعي إيران لتطوير برنامجها النووي، إلا أنه يمكن القول أن إحساس إيران بعدم الأمان النابع من تجربة حربها مع العراق في ثمانيات القرن الفائت والغزو الأمريكي للعراق عام 2003 فضلاً عن تغير توجهات الإدارة الأمريكية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، هذا الإحساس هو الذي يقف وراء محاولة الجمهورية الإسلامية للحصول على الأسلحة النووية.
ويحاول البعض تبرير زيادة الوجود العسكري الأمريكي في دول مجلس التعاون الخليجي عبر القول أن انتشار عدد ضخم من الجنود الأمريكيين يعد ضرورة إذا ما قررت الولايات المتحدة مهاجمة إيران لمنعها من الحصول على الأسلحة النووية. وتنتقد الدراسة هذه المبررات وأصحاب تلك الحجج، مؤكدة أن التواجد العسكري الأمريكي في دول الخليج كافي وبقوات أكثر من المطلوبة لدعم وتنفيذ هذه العمليات العسكرية ضد طهران. ومن ثم فإن توسيع الانتشار العسكري الأمريكي في الدول الخليجية يصبح ذا غير أهمية. وإذا تطلب الأمر قوات إضافية، يمكن للولايات المتحدة إرسالها عبر أوروبا أو أي أماكن أخرى.
3 ـ أما عن المصلحة الثالثة والأخيرة المتعلقة بإيجاد منطقة لا تعاني أو تصدر التطرف، فترى الدراسة أن الوجود العسكري الأمريكي الضخم في الشرق الأوسط يتعارض مع هذه المصلحة، بل إنه يعتبر الدافع الرئيسي نحو انتشار الراديكالية والإرهاب، إلى جانب عوامل أخري أقل تأثيراً مثل الصراع العربي ـ الإسرائيلي والطبيعة السلطوية للنظم الشرق أوسطية. وعلى الرغم من أن إحداث أي تخفيض في عدد القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة لن يؤدي إلى القضاء وبشكل فوري على خطر الجماعات المتطرفة، إلا أن هذه الخطوة من شأنها التقليل من نزعة التطرف لدى الأجيال المستقبلية.