المستشار الإعلامي لبن لادن
قال أيمن الفايد المستشار الإعلامي لأسامة بن لادن إنه هو صاحب فكرة تنظيم القاعدة، وليس أي شخص آخر، مؤكدًا أنه اختار الإسم خلال اجتماع لقادة الجماعات الإسلامية عام 1988، موضحًا أن "الحظ" سانده كثيرًا في مهمّة الوصول إلى قادة التنظيم ونيل ثقتهم.
--------------------------------------------------------------------------------
أيمن الفايد المستشار الإعلامي لأسامة بن لادن
عندما نذر نفسه "للجهاد" في أفغانستان ضد "الغزو السوفيتي"، سافر إلى باكستان، ولم يكن معه سوى قصاصة ورق من مجلة البنيان المرصوص الباكستانية، ولما وصل إلى هناك إلتقى بأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة، ثم توطدت علاقتهما، وصار قريبًا منه، حتى أصبح مسؤولًا عن الركيزة الإعلامية والثقافية بتنظيم القاعدة، التي تشبه القسم الإعلامي والثقافي في أي مؤسسة أخرى.
إنه أيمن الفايد المستشار الإعلامي لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل، الذي إلتقته "إيلاف" بالقاهرة في مقابلة خاصة، ويسرد فايد فيها رحلته مع الجهاد منذ أن خرج من مصر في العام 1987، وحتى عودته في منتصف التسعينيات، ويسلط الضوء على بداية القاعدة وكيفية تأسيسها، وآليات عملها.
ـ متى وكيف بدأت رحلتك إلى أفغانستان؟
كنت شابًا أبلغ من العمر 18 عامًا عندما فكرت في السفر إلى أفغانستان للحاق بالمجاهدين هناك ، وكان ذلك في العام 1987، حيث تأثرت جدًا بفكر الجهاد الذي كان منتشرًا في مصر في نهاية السبعينيات والثمانينيات، وقد رفضت السلطات المصرية مرارًا سفري، نظرًا لصغر سني، إلى أن عقد الرئيس السادات إتفقًا مع أميركا، إشترت بموجبه جميع الأسلحة الروسية التي كانت في حوزة الجيش المصري، لإستخدامها في حربها ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان، حيث كانت تريد أميركا تسليح المجاهدين المقاتلين ضد الإتحاد السوفيتي، دون أن تظهر في الصورة، حتى لا تتحول الحرب بين الجانبين إلى حرب علنية، ولم تشأ تقديم أسلحة أميركية الصنع إليهم، فاشترت الأسلحة السوفيتية من كل مكان في العالم، ليتم قتل الإتحاد السوفيتي بأسلحته، فتظهر العملية، وكأن هناك خونة في صفوف الجيش السوفيتي هم من يمدون المقاتلين بالسلاح، وفي إطار هذا الإتفاق قالت أميركا للرئيس السادات، إنها سوف تخلصه من الإسلاميين المتشددين من خلال السماح لهم بالجهاد في أفغانستان، وفتحت مصر الباب أمام من يريدون السفر، وكنت واحدًا من هؤلاء.
ـ كيف تمت عملية السفر، وهل كان هناك وسطاء؟
كنت متأثرًا جدًّا بما ينشر في مجلة باكستانية اسمها "البنيان المرصوص"، كانت تصدر باللغة العربية، والهدف منها نشر الفكر الجهادي في العالم الإسلامي، ولمّا قررت السفر ركبت سفينة مع مجموعة من قاصدي الجهاد، ولم يكن معي سوى قصاصة ورق من تلك المجلة، تضم مقرها وعنوان إستقبال المجاهدين في مدينة بيشاور الباكستانية. ولما وصلت إلى بيشاور، سألت عن العنوان، فدلني إليه كثيرون، ولم أكن أتحدث الأردية، بل العربية فقط، لكن كان هناك الكثير من العرب. عندما وصلت إلى عنوان استقبال المجاهدين، اصطحبني رجلان إلى مكان آخر أقرب ما يكون إلى القصر، وقدماني إلى شخص ثالث يرتدي زيًا عسكريًا باكستانيًا، إصطحبني بدوره، إلى غرفة مهيبة، يجلس بها رجل يرتدي زيًا مدنيًا، وسألني عن أسباب رغبتي في الوصول إلى أفغانستان، قلت له إني أرغب في الجهاد، فقال لي باللغة العربية إن الجهاد في أفغانستان ليس لأهداف نبيلة كما تعتقدون، إنه صراع ما بين أميركا والإتحاد السوفيتي، لأن الأخير أعطى الأولى صفعة في فيتنام، وهي تردها إليه في أفغانستان، وكان مشفقًا عليّ لأني صغير السن ونحيف الجسد، وإني قد لا أحتمل الجهاد الذي يتم بأشد أنواع الأسلحة فتكًا، ولما رآني مصرًّا، اتصل هاتفيًّا بشخص ما، وطلب منه إرسال من يصطحبني إلى مكان عرفت فيما بعد أنه "بيت الأنصار" أو بيت الضيافة الذي أنشأه أسامة بن لادن، وكان مخصّصًا للمجاهدين العرب، وبالفعل حضر رجل سعودي الجنسية، وأوصاه القائد الباكستاني بي كثيرًا، وطلب منه الإهتمام بي، وطلب مني الإتصال به في جميع الأحوال، وأن أحضر إليه من وقت آخر، فقد كان مشفقًا عليَ. والحقيقة لم أكن أعرف شخصية هذا الرجل، و لكن عندما ركبت خلف السعودي على دراجة بخارية في إتجاه بيت الأنصار، أخذ يسألني عن طبيعة علاقتي بهذا الباكستاني، لما رأه من إهتمام زاد بي، وأجبت بالنفي، لكنه لم يصدقني، وعرفت فيما بعد أن هذا الرجل هو الجنرال أخاتارخان رئيس المخابرات الباكستانية في ذلك التوقيت. وقد أفادني كثيرًا في صفوف المجاهدين. ولما وصلت إلى بيت الأنصار تعرفت إلى أسامة بن لادن، ولم يكن معروفًا ذلك الوقت.
ـ ما الذي جعل علاقتك به تتوطّد فيما بعد؟
بصراحة كنت محظوظًا أو بمعنى أدق موفقًا في رحلتي إلى باكستان وأفغانستان، حيث حظيت برعاية وإهتمام وثقة كبار قادة الجهاد هناك، فمثلًا بعد أن وصلت إلى بيت الأنصار مباشرة، وكان بيتًا كبيرًا أشبه بالقصر، وجدت هناك الكثير من الجرحى، وعلمت أنهم ليسوا جرحى عمليات حربية، بل جرحى نتيجة التدريب في معسكر وارسك في مدينة بيشاور، الذي كان يقوده الشيخ أبو أسامة المصري، وهو رجل مصري كان ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين في بداية حياته، وكان هذا المعسكر يحظى برعاية الرئيس الباكستاني ضياء الحق. كانت التدريبات فيه قاسية للغاية، وذلك من أجل السيطرة على منطقة جلال أباد التي خسر فيها المجاهدين معارك كثيرة، حيث كانت أرض سهلية، ولكن المجاهدين عودوا على الحرب في الجبال، و من يسيطر على تلك المدينة يقطع خطوط الإمداد على الطرف الآخر. ولما رأيت هؤلاء الجرحى، طلبت الإنضمام إلى ذلك المعسكر، ولكنهم أشفقوا علي، فضلًا عن أن الشروط التي وضعها الشيخ أبو أسامة المصري، لم تكن تنطبق عليّ، وهي أن يكون من يريد الإنضمام إليه قد تدرب على جميع الأسلحة المستخدمة هناك، وأن يكون قد مرت ستة أشهر عليه في الجهاد، إضافة إلى أن يكون قد شارك فيما يتراوح بين ستة إلى عشرة معارك، ولم يجتاز تلك الشروط سوى 23 شخصًا فقط، هم من عرفوا فيما بعد بـ"مجموعة ال 23"، ولكني صممت على مطلبي. ولما وجدوني مصرًا، طلبوا مني الإنتظار لحين حضور الشيخ أبو أسامة المصري، ولما حضر، أشاروا إليَ، ونقلوا إليه رغبتي، لكنه نظر إليَ بالكثير من الإستعلاء، وكنت وافقًا مسندًا إحدى قدماي إلى جدار، فضربي بقبضة بقوة في صدري، فلم أهتز، على الرغم من أني كنت نحيف الجسد، ويبدو أنه شعر بأني أمتلك قوة شديدة، فأعجب بصلابتي، وإصطحبني معه إلى المعسكر، وإنخرطت في التدريب، وأجتزت الدورة الأولى، وقد ساعدني في ذلك، أني كنت واسع الإطلاع في العلوم العسكرية. وحظيت بمكانة خاصة لديه. لاسيما أني كنت واحد من القلائل الذين استمروا في المعسكر معه، وخاصة المصريين، الذين تركوه، وإنضموا إلى معسكر جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية المصريتين ، اللتين بدأتا في العمل هناك، وعرف المتخرجون من معسكر وارسو بـ "كوماندوز"، وفهمت فيما بعد أن الرجل، كان يهدف من وراء إقامة ذلك المعسكر إلى توحيد الأفغان العرب، وكان عددهم يترواح ما بين 15 و19 ألف شخص. ولم شتاتهم من معسكرات أمراء الحرب الأفغان، مثل السياف وحكمت يار ومجددي الذين يتصارعون فيما بينهم، بغية نشر فكر الوحدة، والبعد عن الشقاق الذي تصنعه الجماعات.
ـ متى بدأت فكرة تنظيم القاعدة بعد ذلك؟
بدون أدنى شك، أنا صاحب تسمية "القاعدة"، و قبل الدخول إلى تلك النقطة، أود القول إن هناك عدة مصادفات وقفت إلى جانبي، ووضعتني في بؤرة الأضواء بين المجاهدين الأفغان، أهمها توصية الجنرال أخاتار خان رئيس المخابرات الباكستانية بي خيرًا، وثانيها لقب عائلتي، فأنا اسمي أيمن فايد، حيث اعتقدوا أني نجل محمد الفايد رجل الأعمال المصري المقيم في بريطانيا، وثالثها أني قريب الشبه من علي الرشيدي، هو مصري كان عميدًا في الشرطة، وكان مسؤولًا عن الأمور العسكرية في القاعدة، فإعتقد البعض أني شقيقه الأصغر، وبذلك حظيت بثقة القيادات. وبصراحة تعمدت ترك كل تلك الشائعات، لأني كلما حاولت نفيها، يزداد الأخوة تمسكًا بها، يظنون أني أقول ذلك من باب التواضع، وذات مرة كان أعضاء "مجموعة ال23" مجتمعين يتدارسون أحوال المجاهدين الأفغان، في غرقة القيادة، التي استقبلنا فيها ذات مرة الشيخ حافظ سلامة شيخ المقاومة الشعبية بالسويس، وكذلك الشيخ أحمد المحلاوي، وتناقشنا في إيجاد وسيلة لتوحيدهم في جماعة واحدة، وكان الشيخ أبو أسامة يرى أن الجماعات الإسلامية من أسباب فرقة المسلمين، وكان يؤمن أن المسلمين أمة واحدة، وليسوا جماعات متفرقة. وكان المجتمعين هم:أبو عبد الله أسامة بن لادن، الدكتور عبدالله عزام، أوعبيدة البنجشيري، أبو هادية الكردستاني، وعلى الرشيدي. وإقترح كل منهم اسم معين للتجمع الجديد، وهنا أشار إلي الدكتور عبد الله عزام، وقائلًا لي: ما إقتراحك؟، ما دام أمرهم شورى بينهم، ياللا إحنا هنعيل بقى"، حيث كنت أصغرهم سنًا، فتحدثت مؤكدًا إني رافضًا جميع الإقتراحات، فرد ضاحبًا: أرأيتم، إنه ديكتاتور مثل أبيه" وأشار إلى الشيخ أبو أسامة المصري، الذي كان يعتبرني إبنًا له، وأوضحت أن الكيان الجديد يرفض الجماعات الأخرى، وأن الهدف من توحيد الأفغان العرب، ليكون نواة لتوحيد المسلمين جميعًا في شتي أرجاء المعمورة، وأنه لا يصح أن يكون الكيان الجديد جماعة أوحركة، وإلا فلن يكون هناك إختلاف عن الآخرين، وقلت إن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، سمى المدينة المنورة "القاعدة الآمنة"، لإنشاء نواة للمجتمع الإسلامي الأمن البعيد عن الفرقة، ونزع منها كل عناصر الفتنة، مثل اليهود والمجوس، وخصص ثلث الجيش لحمايتها. فإقتنعوا بالتسمية، ونشأت "القاعدة" في العام 1988.
ـ لكن هناك تفسيرات كثيرة للاسم منسوبة لبعض الخبراء؟
كل تلك التفسيرات التي تبناها الدكاترة: ضياء رشوان أو عمرو الشوبكي أو عبد الرحيم على، ليس لها أساس من الصحة، كما أنهم لا يدركون على أساس أنشئت "القاعدة"، حيث يرون وغيرهم من الخبراء أن أميركا هي من كانت وراء إنشاء القاعدة، وهذا ليس صحيح أيضًا، لأن أميركا لم تتفق مع المجاهدين، بل عقدت إتفاقات مع الأنظمة الحاكمة في ذلك الوقت، مثل السادات وحسني مبارك في مصر والملك خالد بالسعودية وضياء الحق في باكستان. فالقاعدة كانت فكرة أو تنظيم ثوري، يعمل وفق مبدأ وحدة الثورة وثورة الوحدة. كان يريد إطلاق ثورة من الشعوب ضد جميع الأنظمة، بحيث تتوحد بعدها الأمة.
ـ كيف سار العمل داخل التنظيم فيما بعد، ومتى تولى بن لادن إمارته؟
شكل الخمسة الذين إجتمعوا في غرفة القيادة مجلس شورى القاعدة، ثم جرت إنتخابات لإختيار الأمير من بينهم، وكان الدكتور عبد الله عزام، لأنه الأكبر سنًا والأكثر علمًا، يطمح في أن يكون أمير القاعدة، لكنه فوجئ بالإخوة يختارون أبو عبد الله أسامة بن لان رحمة الله عليه، وذلك لسببين، الأول أنه كان يتولى جمع تبرعات لصالح الجهاد، وثبت نزاهة كبيرة، فهو رجل ثري، ولم يكن بحاجة إلى المال، كما الغالبية العظمى من المجاهدين العرب في أفغانستان كانوا ينتمون إلى السعودية واليمن، وقليلون كانوا ينتمون إلى مصر وفلسطين وباقي الجنسيات العربية أو الأجنبية، الأمر الذي رجح كفة بن لادن على كفة عزام.
ـ ألهذا قتل بن لادن، عزام كما ورد في بعض الكتابات؟
لا لم يحدث وما سأقوله الآن المولى وحده يعلم صدقه جيدًا، وأقسم أنه الحق، فلم يقتل أبو عبد الله أسامة بن لادن، الدكتور عبد الله عزام، بل كانت هناك قصة أخرى، حيث إن الدكتور عبد الله عزام كان رجلًا فلسطينيًا، وحاصل على درجة الدكتوراه من الأزهر الشريف. وكانت هناك خلافات مع الأخوة حول التبرعات التي كان يجمعها للجهاد، حيث كان يضعها في حسابات ببعض البنوك باسمه، وكان يحاول تنميتها من خلال تجارة البترول أو نقل البضائع، وطلب منه الأخوة مرارًا أن ينقل الأموال من حسابه الشخصي، لاسيما أنه معرض للخطر باستمرار، وأولاده ما زالوا صغارًا، وإذا توفي سوف تضيع تلك الأموال، لكنّه كان يرفض، حيث كان له هدف آخر، ليس الإستحواذ عليها، إذ كان يهدف إلى تجهيز الأخوة للجهاد في فلسطين وتحريرها، وبالفعل جهز مجموعة من الأخوة مع رجل سوري كان يدعى برهان السوري كان ضابطًا في الجيش السوري، وحاول إدخالهم إلى فلسطين عن طريق جنوب لبنان، لكن الشيخ حسن نصر الله كان يلقي القبض عليهم دائمًا ويسلمهم إلى إسرائيل أو دمشق أو إلى دولهم، وحاول مرات أخرى عن طريق الأردن ومصر، وفي كل مرة يفشل. كما أنه كانت له علاقات وطيدة ببرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود وهما من أمراء الحرب في أفغانستان، وكان يمنحهما تمويلات من التبرعات التي كانت تحت يده، وهو ما أصاب حكمت يار بالغضب ضده، حيث كان يريد نصيبًا من تلك التبرعات، وحدثت خلافات شديدة بين عزام والأخوة المجاهدين من جهة، وبينه وبين حكمت يار من جهة أخرى. و ذات مرة كنت أجلس مع الدكتور فضل المعروف بسيد إمام وهو شيخ أسامة بن لادن وشيخ جميع المجاهدين، وكان أمير جماعة الجهاد، وقال لي إن الأخوة غاضبون من وجود مخالفات مالية في التبرعات التي بحوزة الدكتور عبد الله عزام، قلت له إن على الرشيدي صديق عزام، أخبرني أن الأخير أخبره منذ يومين أنه سوف يجتمع بالأخوة ويصفي معهم كل تلك الخلافات، في أول خطبة له أثناء إفتتاح مسجد سبع الليل في مدينة بيشاور الباكستانية، الذي بناه هو على نفقته. ولكن القدر لم يمهله، حيث إنه أثناء ذهابه لإفتتاح المسجد، إنفجرت في سيارته قنابل كانت مزروعة في الطريق عند مطب صناعي، وتوفي مع ولديه الصغيرين على الفور. وفي تلك الأثناء قتل أيضًا الرئيس الباكستاني ضياء الحق ورئيس المخابرات أخاتار خان في طائرة تمت إصابتها بصاروخ أميركي، وكانت بنظير بوتو هي رئيس الوزراء في ذلك التوقيت، وكان الموساد الإسرائيلي والإستخبارات الأميركية هما من يقفان وراء تلك العلميات، ولكن قيل إن بن لادن هو من قتل عزام، وقيل إن حكمت يار هو من فعلها وقيل بنزير بوتو وقيل الروس، ولكن في النهاية تفرقت دماؤه بين القبائل