ويضيف كول أن ثروته الشخصية لم تكف في تمويل الأنشطة والشبكات الإرهابية التي أنشأها، لذلك اتجه إلى جمع الأموال من "المؤمنين الحقيقيين" داخل العالم الإسلامي بمفهومه الواسع.
النشأة الاجتماعية لزعيم تنظيم القاعدة
رغم أن أسامة بن لادن لم ينفصل عن أسرته، إلا أنه ترعرع في كنف أسرة غير تلك التي نشأ فيها أقرانه، فنشأ في بيت زوج أمه ـ الذي اختاره أبوه "محمد" ـ بجدة. وكان من حين إلى أخر يذهب إلى سوريا لزيارة أقارب أمه. ويصفه العديد من أفراد أسرته وأقرانه الذين تحاور معهم كول بالخجول.
وبعد وفاة والده التحق أسامة بمدرسة خاصة جيدة ـ انجليزية في التوجه الأكاديمي وسعودية في التوجه الديني ـ، وفي مرحلة المراهقة انجذب إلى جماعة الإخوان المسلمين، تلك المنظمة التي انتشرت في معظم المجتمعات العربية خلال تلك الفترة، والتي كانت تدعم الأفكار الأصولية. وفي سن السابعة عشر تزوج من ابنة عمومته التي كانت في سن الرابعة عشر، والتي أنجبت له ولد بعد فترة قصيرة من الزواج. وعلى الرغم من تركيزه في التعليم الديني إلا أنه برع في دراسة التجارة والتكنولوجيا. وبعد التخرج انضم إلى أخوته غير الأشقاء للعمل بشركة البناء العائلية.
بدايات العمل الجهادي
يمثل عام 1979 نقطة محورية لأسامة بن لادن، ذو 21 ربيعاً في ذلك الوقت، وللمملكة العربية السعودية. فكان عام الثورة الإسلامية الإيرانية التي أشعلت الكفاح الديني على نطاق واسع. فعلى إثر اقتحام القوات للمجسد الحرام بمكة المكرمة، أضربت القوي الإسلامية الراديكالية ، والتي قمعتها القوات في معركة دامية، والذي نتج عنه حالة من عدم الاستقرار. فاستنجدت الأسرة الحاكمة بالولايات المتحدة للحفاظ على بقائها، وخولت واشنطن بناء قواعد عسكرية على الأراضي السعودية.
وقد كانت تلك السنة مفصلية لأسامة بن لادن، حيث رفض وجود تلك القوات "الكافرة" على أراضي المملكة العربية السعودية، والذي ولد توتراً بين أشقائقه الذين حققوا مكاسب طائلة من هذا المشروع (إنشاء القواعد العسكرية الأمريكية بالمملكة). ولكن بعد عام من التوتر بين أسامة بن لادن والأسرة الحاكمة السعودية وأشقائه بشأن الوجود الأمريكي على الأراضي الأمريكية، غزا الاتحاد السوفيتي السابق أفغانستان. وكانت تلك بمثابة فرصة ذهبية له، حيث سارع في تقديم جل المساهمة للمقاومة الأفغانية، والتي كانت إسلامية بالأساس، وذهب إلى باكستان لمراقبة توزيع الأموال. وقد بدأ عمله بمعارضة الشيوعية والنفوذ الشيوعي، والذي غطي على الشقاق مع أشقائه، وأجل الشقاق مع الأسرة الحاكمة وحلفائها الأمريكيين.
وبحلول منتصف الثمانينيات، انتقل بن لادن من الأمور والمسائل النقدية إلى توريد السلاح للقوات الأفغانية غير النظامية (المجاهدين)، ثم إلى تعبئة وتجنيد المقاتلين العرب للقتال بجانب المجاهدين الأفغانيين. وفي ذلك الوقت كانت الأسلحة رخيصة، فواشنطن كانت تغرق السوق بالأسلحة، وعلى رأسها صواريخ ستنجر المضادة للطائرات، والتي أكدت الهزيمة الروسية. ويشير الكتاب إلى عدم وجود محاضر لقاءات بين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وأسامة بن لادن. فالوكالة كانت تعرفه ولكنها لم تبد أهمية خاصة له أو وعي للخطر الذي يمثله كفاحه.
بن لادن ينشأ تنظيم القاعدة.مرحلة جديدة من العمل المسلح
عقب انسحاب السوفيت من أفغانستان في 1988 أسس بن لادن تنظيم القاعدة، ثم عاد مرة أخري إلي المملكة العربية السعودية، تاركاً خلفه في أفغانستان تابعين له؛ لتأييد حركة طالبان الأصولية في صراعها فيما بعد الحرب مع الفصائل الأفغانية الأخرى. ولكنه لم يتصالح مع الأسرة الحاكمة، فقد دخل معها في شقاق جديد علني هذه المرة على إثر دعوتها القوات الأمريكية استخدام أراضي المملكة العربية تمهيداً لشن حرب على العراق، التي كانت تلوح بالأفق آنذاك، لغزو صدام الكويت في بداية التسعينيات من القرن المنصرم.
وكان من شأن مواقف بن لادن أن جعلت أشقائه في موقف صعب (معضلة صعبة)؛ لرغبتهم في تحقيق المزيد من الأرباح من بناء القواعد والمؤسسات الأمريكية، وعدم الانفصال عن الأخ. ولكن أشقائه اتخذوا قراراً بقطع راتبه من الشركة لعدم إغضاب الأسرة الحاكمة. والذي دفع أسامة بن لادن وزوجاته الثلاثة وأحد عشر ابنا وعدد غير محدد من البنات إلى اختيار المنفي إلى السودان لصعوبة البقاء بالمملكة العربية السعودية. وفي عام 1996 طار مرة ثانية إلى أفغانستان، حيث استقبل استقبالاً حاراً من المتعاطفين معه بأفغانستان ومن على الحدود الباكستانية، وظل هناك حتى يومنا هذا.
ويركز كول في أجزاء من كتابه على العمليات المسلحة المنسوبة لأسامة بن لادن والقاعدة، وعلى تزايد منحي الغضب السعودي والأمريكي حيال أسامة بن لادن. وحسب كول ليس هناك مجالاً للشك في أن قدرات أسامة بن لادن التنظيمية، وقدراته العالية في جمع الأموال مازالت قوية وحادة. فقدراته الهندسية جعلت كهوف تورا بورا منيعة على القوات الأمريكية.