4 آلاف قتيل هل تدفع أميركا للانسحاب؟

آلاف قتيل هل تدفع أميركا للانسحاب؟

الجنرال وفيق السامرائي
28/03/2008

تلقف المتسابقون الى البيت الأبيض بلوغ الخسائر الأميركية في العراق سقف الأربعة آلاف قتيل، ليعرض كل رؤيته في فلسفة التصرف حيال الحرب، فقد تعهدت هيلاري كلينتون بسحب قوات بلادها من العراق خلال ستين يوما في حال فوزها في الرئاسة، وهي مدة لا تكفي لتفكيك الترتيبات القائمة ولا لسحب القطعات المقاتلة لوحدها، الا اذا كان انسحابا أقرب الى الهزيمة !، أما ندها في المعسكر الديموقراطي باراك اوباما، الذي يبدو انه قرأ نبض الشارع بطريقة مختلفة، فلم يلتزم بانسحاب فوري بل ربط مهلة ستة عشر شهرا بانسحاب تدريجي على مستوى الكتائب. يبقى موقف المرشح الجمهوري جون مكين واضحا، فهو متمسك بالبقاء ولو تطلبت الحال مائة عام. وما سيقوله المقترعون بعد سبعة أشهر سيأخذ قياسا للاستراتيجية الأميركية بعيدة المدى ودور أميركا عبر البحار، فاما تقوقع وإما استمرار الى حين غير محدد.

تفسير الخسائر
على الرغم من عودة معدلات الخسائر البشرية الأميركية في العراق الى الظهور فهي الأقل عموما على مدى السنوات الأربع وأقل كثيرا من المعدلات المرتفعة. وفي ما يأتي بعض المؤشرات المتصلة بالتفسير والقياس :
1ــ مقارنة بحرب فيتنام، وهي الأكثر خسارة، حيث تكبد الاميركيون نحو 55 ــ 58 ألف قتيل. ولكي يصل الأميركيون الى هذا الرقم فان ذلك يستلزم مرور خمسين عاما أخرى من مستويات القتال الدائرة الحالية في العراق. الا أن عدد الجرحى والمعوقين يقلل كثيرا من التمسك بهذا القياس، فقد أصيب أكثر من أربعين ألفا، ونسبة منهم خرجت نهائيا من ميدان القتال.
وعلى العموم فان الخسائر تبدو ليست فادحة، اذا ما اخذنا في الحسبان عدد نفوس الاميركيين. فيما وقع من خسائر يفوق قليلا ما حصل في الحادي عشر من سبتمبر 2001. لكن هذا لا يلغي أبدا التأثيرات السياسية والسجال داخل أميركا. ويبقى الحكم للشارع ومدى تأثير الدعايات المتضادة.
2ــ القياسات المسجلة في تاريخ حروب القرن الماضي أحصت نسبة الجرحى الى القتلى في صفوف المقاتلين بنسبة 1ــ3 ، أي قتيل واحد وثلاثة جرحى. أما الخسائر الأميركية الحالية فبلغت 1ــ10، ويعود السبب في ذلك الى درجة التدريب العالية، وكفاءة الحماية في التجهيزات الفردية، وحالة الانتشار، ومحدودية الوسائل القتالية المتوافرة لدى الطرف الآخر والمعتمدة على وسائل الاطلاق الفردي المباشر او شبه المباشر القريب، فيما ترتفع نسبة القتلى خلال الاشتباكات العنيفة والضربات الثقيلة واستهداف المقرات والتجمعات والمناطق الادارية، وهذا كله لا يتأثر كثيرا بالوسائل الفردية عدا الاشتباك القريب.
3ــ انخفضت الخسائر في مناطق معينة نتيجة تحييد واستقطاب او تلاقي مصالح او بسبب محاكاة الظروف، تحت ظل التغيير في التصرف الاميركي، فيما بقيت وتيرتها مرتفعة وبين مد وجزر في المناطق التي تتصادم فيها المصالح الاميركية مع غيرها.
4ــ كلما تزايدت أعداد قوى الأمن العراقية، تقلصت متطلبات زج القوات الأميركية في عمليات المجابهة اليومية، وهو ما يؤدي الى سحب الجنود الأميركيين من الاشتباكات القريبة فتقل خسائرهم.
أهداف الحرب
لم يكن اسقاط صدام الهدف النهائي للحرب، بقدر ما هو مفتاح يتراوح فهمه ويختلف من طرف الى آخر، ويلتقي الطرفان واقعيا في فهم المرحلة المستهدفة لرؤية شرق اوسط جديد، تختلف فيه العلاقات الدولية، وتغير الخطوط البيانية لمراكز القوى، وربما تتغير فيه خطوط الحدود والكيانات من وسط آسيا الهش الى البحر المتوسط، من دون استثناء، على المدى البعيد المخطط له ضمن أفق الهدف النهائي، مما يفقد بريق حالة التبسيط في التصور.
فالصراع في الشرق الاوسط طويل وممل لكنه صراع حتمي الاستمرار في عصر اختلفت معطياته، وتعاكست فيه المصالح، وتوافر فيه المال، وتعددت مصادر الحصول على السلاح، واشتعلت مصادر الدعايات، فيما بقي النفط المصدر الرئيسي للطاقة في عالم يتطلب نموه القائم المزيد، فالدول الفقيرة تزداد نموا في ظل نفط بسعر معقول وتزداد فقرا مع طفرات الأسعار، والمارد الصيني الكبير والآخر الهندي في حاجة فعلية الى المزيد من الطاقة.
خسائر أخرى
وان كانت الخسائر البشرية مؤلمة فانها اذا ما جردت من الدعاية، لا تمس مباشرة الا نسبة قليلة من الناس والناخبين، فأربعة آلاف قتيل تعني عشرة آلاف عائلة، وأربعة آلاف معوق مفترض تعني الرقم نفسه، ومجموعهما في النتيجة يساوي رقما محدودا للغاية مقارنة بنحو مائة مليون عائلة اميركية، وهذا مع أهميته الانسانية ربما لم يصل الى مستوى التأثير المترتب عن الخسائر المالية التي تتراوح بين 700 مليار وبضعة تريليونات من الدولارات، والتي تقود الى ركود اقتصادي تسعى البنوك المركزية الغربية جاهدة الى حد القتال الى تفاديه او تقليص آثاره الى الحد الأدنى، فالركود يمس كل بيت وكل عائلة تقريبا، وكل من ينجح في تفادي ذلك، او اقناع الناخبين بسلامة توجهه يمكنه كسب مساحة أكبر من ثمرة الدعاية السياسية، فتطغى الحياة اليومية العامة على المعاناة والأحزان الاخرى، او ربما هكذا.
السيد النفط
ويبقى النفط سيد المعادلات، والعنصر الحاسم في كل القرارات، فقبل عام قال أحد أكبر المهتمين والمختصين في شؤون النفط من العرب، انه يتوقع أن يبلغ سعر برميل النفط مائة دولار، اذا ما حصلت حرب مع ايران، فيما تجاوز التخمين من دون وقوع الحرب، ومن دون حصول توترات مهمة مضافة للوضع المعتاد. لكن ليس كل ما يقال يؤخذ قياسا حتى لو ظهرت عليه مؤشرات متطابقة لاحقة.
ويستدل مما ورد أن الخسائر البشرية، بمعدلات شبه مستقرة معتادة، لا تقود لوحدها الى اتخاذ قرار بالانسحاب الشامل والسريع من العراق، لأن الانسحاب من هناك يعني ترك المنطقة بكاملها، ويعني انقلاب المعادلات في ليلة وضحاها. فهل تنجح قوى الضغط في تحقيق هذا الهدف ؟ أم يقود التنافس والصراع الى حرب مباشرة واسعة في منطقة الخليج ؟.
الكل قلق. والسماء تزداد احمرارا يوما بعد يوم ولو تدريجيا، ويبقى التأريخ يذكر أن الأمم والامبراطوريات تآكلت بعوامل الزمن بعد قرون او نتيجة صراعات حاسمة. والموقف في الشرق الاوسط لم يبلغ مرحلة الحسم بعد.

الناشر جريدة حوارات الالكترونية

Admin عدد الرسائل : 18 تاريخ التسجيل : 13/05/2007

شكرا على هذا الجهد الرائع

» أصل الجريمة المنظّمة في أميركا
» كتاب أميركا والعالم