دراسة أمريكية: الإسلام المعتدل هو الحل الوحيد
28/03/2008
تنامي اهتمام الأمريكيين بعد أحداث 11سبتمبر 2001 بالإسلام عموما، ً وبما يُسمي بـ "الإسلام السياسي" علي وجه الخصوص. ولذا بدأت العديد من مركز الأبحاث والرأي (Think Tanks) الأمريكية في دراسة الحركات والجماعات الإسلامية بمختلف أنواعها وتوجهاتها. كما بدأ الحديث عن كيفية التعامل الأمريكي مع هذه الحركات خاصة وأن بعضها يلعب دوراً مهماً علي الساحة السياسية في بلادها بالنظر إلي تمتعها بقدر من الشعبية.
في هذا الصدد كتب جوشوا مورافشيك Joshua Muravchikالباحث بمعهد أمريكان إنتربرايز American Enterprise Instituteوشارلز بي. سزروم Charles P. Szrom الباحث المساعد بالمعهد نفسه، دراسة تحت عنوان "محاولة للبحث عن الإسلاميين المعتدلين" "In Search of Moderate Muslims" نُشرت في مجلة كومنتري الأمريكية Commentary عدد فبراير 2008. ولم تكن تلك الدراسة الأولي التى تسعي لإيجاد تيار إسلامي معتدل ولكن تعدد الدراسة، فقد أصدرت مؤسسة "راند" ـ على سبيل المثال ـ دراسة شاملة حول " بناء شبكات من المسلمين المعتدلين في العالم الإسلامي". تناولها التقرير بالعرض على حلقتين.
ما هو الإسلام المعتدل وأين نجده؟
تشير كلمة "معتدل" إلي كمية أو درجة أقل من الشيء. فعلي سبيل المثال فإن اليساري المعتدل، ليس بعيد جداً عن اليسار. فهل "المسلم المعتدل" ليس مسلم تقي ورع ؟. أخذ الأمر علي هذا النحو يعني الإقرار بأن الإسلام يتناقض مع الغرب. وأن القضية هي الكراهية الشديدة. وبذلك يمكن أن نقبل ضمناً أن الإرهاب هو نتيجة طبيعية للولاء التام للعقائد الإسلامية وهو القياس الذي من المفترض أن نرفضه حسبما أشار الكاتبين في صدد دراستهما.
ويضيفان، إذا كانت معركتنا ضد الإرهاب تقوم علي أن المسلمين يجب أن يصبحوا أقل إيماناً وتقوي، فإن فرص النجاح ستكون ضئيلة وسيئة. ما نريده لا يتعلق بحماس المسلمين لقناعاتهم الدينية وإنما يتركز علي أرضية قبول أو رفض التعددية.
وفي إطار الإجابة على تساؤل "أين نجد الإسلام المعتدل؟" أشار الكاتبان إلي أربعة أنواع من المسلمين المعتدلين:
المجموعة الأولي:- تشمل المواطنين العاديين في البلدان الإسلامية الذين يمارسون شعائر دينهم دون أن تتمركز السياسة في حياتهم. ولا يشاركون في أعمال العنف، وفي الغالب لا يدعمونها.
المجموعة الثانية:- للمعتدلين تشمل الأنظمة، مثل مصر والأردن، حيث يتضمن "الاعتدال" التحالف مع الغرب.
المجموعة الثالثة:- تضم ليبراليين علمانيين يتعاطفون مع القيم السياسية والثقافية للغرب؛ مثل الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ والكاتب العراقي كنعان مكية.
المجموعة الرابعة:- تضم مجموعات متنوعة من الإسلاميين الذين يصفون أنفسهم بأنهم ضد العنف.
ويريان أنه على الرغم من أهمية المجموعتين الأولي والثانية فإنهما لا يلعبان دوراً مهماً في محاربة الإرهاب. وربما يتواجد بين المجموعتين الثالثة والرابعة مصادر قوة جديدة في هذه الحرب حيث يُعتبر الليبراليون العلمانيون المجموعة ذات الصلة الأكبر بالديمقراطية والقيم الغربية. ويضيفان أنه لسوء الحظ، لا تحظي وجهات نظرهم بالولاء، خصوصاً عندما تقف ضد قوة الحركات الإسلامية الصاعدة والمتزايدة بقوة. ويتضح ذلك في مصر وفي السلطة الوطنية الفلسطينية (خسارة فتح في انتخابات 2006 لصالح حماس).
جماعات الإسلام السياسي. تحالف مع أمريكا؟
ينطلق الكاتبان في دراستهما من أن هناك تنوعاً في جماعات الإسلام السياسي، والتي تتباين ما بين من يؤمن بالعنف مثل القاعدة، ومن يتحاشاه، ومن تخلي عنه بعد أن اعتنقه.
وحسب بعض الليبراليين مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور عمرو حمزاوي فإن الإسلاميين الذين لا يؤمنون بالعنف يمكن أن يتواجدوا بين المعتدلين الأصليين.وهؤلاء في أغلب الأحيان هم قوة المعارضة الأقوى في دولهم. وغالباً ما يعتنقون الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهم الأكثر قدرة علي الفوز في انتخابات حرة. لذا فإنهم من الناحية النظرية يبدون كحلفاء معقولين لأمريكا.
يُشير إبراهيم إلي إيمانه بإمكانية ظهور الأحزاب الإسلامية الديمقراطية حقاً، التي تقترب من الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد حرب 2006 في لبنان، وُصف الإسلاميين عموماً بأنهم أكثر العناصر ديمقراطية بالمنطقة. مشيراً إلي حزب العدالة والتنمية في تركيا، وبالاسم نفسه في المغرب، الإخوان المسلمين في مصر، حماس في فلسطين، وحتى، حزب الله في لبنان.
أما حمزاوي الباحث بمعهد كارنيجي للسلام الدولي فيقول أن الإسلاميين هم الحركات الجماهيرية في القرن الحادي والعشرين حيث تمكنوا من أن يحولوا الفكر الفلسفي المعقد إلى شعارات بسيطة حلت بسرعة محل الوحدة العربية والاشتراكية. وأشار حمزاوي إلي أداء الإخوان المسلمين في انتخابات 2005 البرلمانية وإلي "مبادرة الإصلاح" التي أصدرتها الجماعة، والتي شددت فيها علي "احترام التعدد الحزبي، الانتخابات الحرة، وتداول السلطة " بالإضافة إلى ( كما جاء علي لسان الناطق باسم الجماعة) "مساواة كاملة في الحقوق والواجبات" لأقباط مصر والمرأة.
بالإضافة إلي إبراهيم وحمزاوي هناك من يتبع نهجهما من المفكرين الأمريكيين ومنهم جوشوا ستاشر Joshua Stacher، المتخصص في الشئون المصرية في جامعة سيراكيوس Syracuse University. فيشير إلي أن الإخوان ملتزمون بالسلم المدني، وبالرغم من أنها جماعة محافظة اجتماعية فإنها أيضاً برجماتية من الناحية السياسية، تؤمن بالتطور المؤسساتي.
وبنفس هذا المنظور نُشرت دراسة بمجلة شؤون خارجية Foreign Affairs في عددها عن شهري مارس – ابريل 2007، تحت عنوان "الإخوان المسلمون المعتدلون" "The Moderate Muslim Brotherhood". وطبقاً لكاتبيها، روبرت إس . ليكن وستيفن بروك Robert S Leiken and Steven Brooke، وكلاهما من مركز نيكسون Nixon Center، فإن إسلامي مصر لن يُسرعوا فقط الدمقرطة لكن أيضاً سيخدمون أهداف السياسة الأمريكية الأخرى. وقد جاءت هذه الدراسة بناءاً على تقرير عُرض في حلقة نقاشية في وزارة الخارجية أشار إلي مصلحة رسمية "أمريكية" جديدة بالانفتاح علي الإخوان المسلمين.
إلي أي مدي يمكن أن تعتنق جماعة مستبعدة من قبل السلطة الديمقراطية؟
في محاولة للإجابة على هذا التساؤل المحوري يقتبس الكاتبان مقولة عبد الرحمن الراشد الكاتب الصحفي السعودي "المشكلة ليست في إعطاء السلطة إلى الإسلاميين، المشكلة [بعدئذ] ستكون استحالة أخذها من أيديهم بالوسائل الديمقراطية.". وهناك سبب قوي لاحترام تحذير الراشد وهو حقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين ذاتها ليست ديمقراطية في داخلها. ولا يبدو موقف الجماعة من المرأة والأقباط واضحاً، فالموقف من المرأة يتمثل في أن "الرجال أعلي منزلة من النساء." وبالنسبة إلي الأقليات، رفض الإخوان حكماً صدر في أبريل 2006 يسمح للبهائيين بوضع ديانتهم في بطاقات الهوية. وفي مقابل تظاهرهم بالتمسك بالمبدأ الديموقراطي تؤكد المحاضرات التي يُلقيها بعض قادة الجماعة أن هدفها هو خلق خلافة جديدة في العالم الإسلامي.
وصحيح أن الجماعة لم تتورط في العنف وأدانت بشدة التفجيرات الإرهابية في مصر وبعض الدول العربية الأخرى. لكنها في المقابل استحسنت قتل الإسرائيليين عموماً والأمريكيين في العراق علي اعتبار أن ذلك واجب "ديني" ولأن هاتين الدولتين (فلسطين والعراق) تقبعان تحت الاحتلال ولذا فلابد من طرد الاحتلال بأي طريقة ممكنة. ولا تعترف الجماعة بإسرائيل.علاوة علي ذلك تستمر الجماعة في التأكيد علي أهمية الجهاد. الذي هو، “بالطبع، لزوم استخدام القوة متى كانت الوسائل السلمية غير ناجحة."
ويري الكاتبان أن هذا الأمر ينطبق علي الفروع الأخرى للإخوان مثل الفرع السوري الذي وإن بدا الأكثر اعتدالاً لانتقادها مسودة البرنامج الحزبي للإخوان المسلمين في مصر. وفي المقابل تبدو النسخة الفلسطينية حماس. فقد كشفت الحركة عن توجهها الحقيقي تجاه الديمقراطية من خلال عصيانها المسلح في غزة وطموحها السريع والعلني لتكرار السلوك ذاته في الضفة الغربية. وإصرارها علي تدمير إسرائيل واعتبار أرض فلسطين "وقف" إسلامي مخصص للأجيال الإسلامية القادمة حتى يوم الحساب (القيامة).
ترغب حماس في التوقف عند رمى اليهود في البحر. فيضيف ميثاقها: " نفس الأمر ينطبق علي أي أرض، فتحها المسلمون بالقوة." بكلمات أخرى، بعد تل أبيب تأتي الأندلس، وضواحي فينا.
وبالإضافة إلي الإخوان ظهرت مجموعات إسلامية أخرى من بينها حزب العدالة والتنمية الذي يُعد المثال النادر لجماعة إسلامية وصلت إلي السلطة من خلال الديمقراطية. وبالرغم من أن أداء الحزب حتى الآن يُقوي من أطروحة أن هناك القليل للخوف من الإسلاميين الذين يصلون إلي السلطة بواسطة الانتخابات فإنه لا ينبغي تجاهل حقيقة أن الحزب ليس حرأ تماماً في توجهاته إذ عليه قيدان أحدهما خارجي حيث تفرض معايير العضوية في الإتحاد الأوربي قيوداً على تطبيق الأسلمة، والآخر داخلي هو الجيش . فهل يُظهر الحزب وجهاً مختلفاً إذا تحرر من هذه القيود؟.
إلي جانب ذلك ومن ضمن العوامل الأخرى التي تجعل من عملية التحالف مع الجماعات الإسلامية أمراً صعباً أن هذه الجماعات تمتلك تاريخاً مؤكداً من الخداع. فهناك التلاعب باللغة بل وبالألفاظ ذاتها. فبينما تعلن هذه الجماعات أنها تدين "الإرهاب" فإنها تصفق لقتل الأطفال الإسرائيليين كنوع من" المقاومة" حسب رؤية الكاتبين.
كيف ستتعامل واشنطن مع التيارات المختلفة للإسلام السياسي؟
في محاولة للإجابة علي هذا السؤال دخل الكاتبان في جدال مع دانيال بايبس Daniel Pipes الخبير بشئون الشرق الأوسط، حول المركز الأمريكي لدراسة الإسلام والديمقراطية (CSID) Center for the Study of Islam & Democracy.
يري الكاتبان أن هذا المركز يضم مجموعة من الشخصيات المسلمة المعتدلة مثل عبد الوهاب الكبسي الذي هاجر إلي أمريكا قادماً من اليمن منذ أكثر من 27 عاماً. وهو مسلم يمارس شعائر دينه ويعتبر نفسه علمانياً. أعلن تأييده لحرب الولايات المتحدة في أفغانستان. انتقد بن لادن والقاعدة بأقوى الكلمات ودان بوضوح التفجيرات والعمليات المسلحة في إسرائيل.
وهناك أيضا كامران بخاري Kamran Bokhari الذي ترك جماعة المهاجرين المتطرفة في منتصف التسعينيات عندما أدرك راديكاليتها . معتبراً نفسه اسلامياً لكن يظل مسلماً تقياً. فيقول في أحد كتاباته: أن تهديد الإسلام والمسلمين لا يأتي من الولايات المتحدة والغرب ولكن بالأحرى من المتطرفين الذين يعملون بحرية في وسطنا. إنه الوقت المناسب كي ينهي المسلمون صمتهم عن الإرهاب تحت ذريعة تأييد "الكفاح الشرعي المسلح من أجل الحرية". ويضيف كامران قائلاً إن هجمات 11 سبتمبر 2001 ينبغي أن تكون دعوة كي يستيقظ المسلمون في كل مكان ويعرفوا أن هناك شيء خاطئ في مجتمعاتهم أهملوه حتى تحول إلي سرطان التطرف الذي ينمو الآن وأصبح وحش ضخم. وبينما لا تدعم الأغلبية الواسعة الإرهاب فإن الحقيقة أنهم أيضاً لم يقوموا بأي شيء ضده.
هذه هي بالضبط الرسالة التي يأمل الأمريكيون أن يقوم قادة الرأي المسلمين بتوصيلها إلي إخوانهم المتدينين. هذا هو" الإسلام المعتدل " الذي يمثل الحل . فيقول الكاتبان من الممكن أن يقوم المسلمون المعتدلون بما نريد. وأي غض للطرف عن هذه الإمكانية يعني تعطيل أنفسنا. ولا يعني الانفتاح علي الإسلاميين المعتدلين أو علي الإسلاميين الذين هم في طور الانتقال التراجع عن الفحص الدقيق الإنتقادي لأفكارهم وممارساتهم. ويؤكدان أن هناك القليل من الاعتدال داخل الجماعات الإسلامية.
وعلى الرغم من هذا، فإنهما يريان أن أحد الأسباب لتفضيل الحوار حتى مع البعض الذين ليسوا معتدلين هو أننا لا يجب أن لا نضيع الفرصة لتقصي نقاط الضعف في أيديولوجيتهم. فالراديكالية الإسلامية تنظر إلى ماضي خيالي؛ ونموذجها للعيش كالنبي وصحابته أمراً مستحيلاً. فهل حتى أكثر الجهاديين تطرفاً جاهزين للانتقال من العيش في منزل إلي العيش في خيمة ومن السيارة إلي الجمل ومن الكلاشنكوف والمتفجرات إلي السيف والرمح؟. ربما تكون هذه الرؤيةِ هي التي تجعل العديد يفضلون التركيز على الإغراءات التي تنتظرهم في العالم الآخر.
بالإضافة إلي كل ذلك ، هناك جماعات أخري تستحق التركيز عليها أمريكياً. فبالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية التركي وحزب الوسط المصري هناك حزب الوسطية الجديدة في الأراضي الفلسطينية الذي أسسه محمد دجاني، مدير معهد الدراسات الأمريكية في جامعة القدس برام الله وعضو حركة فتح السابق، في مارس 2007. ويمثل الحزب محاولةً لخلق بديل لكل من فتح وحماس. فيدعو إلي حل الدولتين والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وبالنسبة إلي " حق العودة" يقول دجاني متسائلاً:" لماذا نخلق مثل هذه العقبة الكبيرة أمام السلام بينما هي فقط ليست عملية؟ ". ويوضح دجاني الأمر علي هذا النحو "هدفنا أن نُعلم الشباب أن عملية التفجير الانتحارية ليست إسلاماً."
يخلص الكاتبان في النهاية إلي أنه، ومع وضع هذه الجماعات وغيرها في الاعتبار، من الممكن وضع بعض المعايير الأساسية للحكم علي هذه الجماعات. فهناك ستة أسئلة يجب أن توجه إلي أي من هذه الجماعات وهي:-
هل تعتنق الجماعة كل من الديمقراطية والممارسة الديمقراطية في هياكلها الداخلية؟. هل تتجنب العنف في سعيها لتحقيق أهدافها؟. هل تدين الإرهاب؟. هل تدافع عن حقوق متساوية للأقليات؟. هل تدافع عن حقوق متساوية للمرآة ؟. هل تقبل تعدّدية التفسيرات داخل الإسلام؟ وأي جماعة تقبل هذه المعايير الستة تستحق الدعم والتعاون وأي جماعات تعمل من أجل القبول بهذه المعايير تستحق نظرة ثانية.
ويؤكدان أيضاً في نهاية دراستهما على أنه من الخطأ الشديد الإسراع نحو الإسلاميين علي حساب الليبراليين العلمانيين الذين هم حلفاء واشنطن الحقيقيون حتى مع صغر عددهم. واستناداً على وجود أصدقاء وحلفاء بين هؤلاء الذين جاءوا من بيئة شيوعية يتوقعان احتمالية أن تجد واشنطن أصدقاء وحلفاء، أو علي الأقل أناس يمكن أن تتعاون معهم، بين الإسلاميين أو هؤلاء الذين أتوا من بيئة إسلامية. ويضيفان إن الراديكالية الإسلامية عقيدة هشة ومعرضة لاختفاء، وأن هناك إمكانية وحتى وإن بدت ضئيلة لانتصار إذا لم تستلم واشنطن
نقلا عن/http://www.wattan4all.org/wesima_articles/derasat-20080328-26658.html.