بعد رحلته للعراق وأفغانستان والتي استمرت عشرة أيام، قابل خلالها العديد من القادة العسكريين والمدنيين، أجري برنارد جورتزمان Bernard Gwertzman مع أنتوني كوردسمان، الخبير في قضايا أمن العراق وأفغانستان، والذي يشغل حالياً منصب أستاذ كرسي أرليج بورك Arleign Burke في الشئون الإستراتيجية بمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية Center for Strategic and International Studies،
حواراً حول الأوضاع في البلدين والذي تناول أيضاً تقييم كوردسمان للجهود والاستراتيجيات الأمريكية في البلدين (العراق وأفغانستان)، وكذلك رؤيته المستقبلية للأوضاع هناك. وهو منشور على موقع مجلس العلاقات الخارجية Council on Foreign Relations.
وفي هذا الحوار يري كوردسمان أن هناك مكاسب عسكرية تم تحقيقها في العراق على خلاف العديد ممن يرون أن الولايات المتحدة أخفقت في تحقيق مكاسب أمنية هناك استناداً إلي تزايد عدد العمليات المسلحة ضد القوات الأمريكية قائلين أن العراق يشهد حالياً حالة من الاحتراب الطائفي قد تمتد إلى دول الجوار.
ويرى كوردسمان أن الولايات المتحدة الأمريكية في حاجة للصبر لتحقيق الاستقرار في كلا البلدين (العراق وأفغانستان).
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من الموظفين الرسميين في العراق صرحوا أنهم في حاجة لخمس أو ست سنوات أو أكثر لتحقيق الاستقرار والأمن والتنمية. ويعني ذلك أن واشنطن في حاجة لخطط واستراتيجيات طويلة المدى وصبر. فهناك اتفاق حقيقي حول أن التاريخ يأخذ وقتاً. وقد جاء الحوار على النحو التالي:
أنت رجعت من رحلة للعراق وأفغانستان قابلت خلالها قادة عسكريين ومدنيين. هل يمكنك أن تلخص لنا انطباعك؟ ويمكنك أن تبدأ بأفغانستان؟
أعتقد أن هناك حربين مختلفين. فداخل أفغانستان، استطاع حلف شمال الأطلسي (الناتو) الانتصار في بعض المواجهات مع قوات حركة طالبان، لكننا نرى في الوقت ذاته أن حركة طالبان تحاول مد وبسط نفوذها على الأرض، فهي تُسيطر أو لها تأثير سياسي كبير أو اقتصادي. فالموقف في الجنوب أكثر إشكالاً، حيث لا توجد قوات كافية في الجنوب لتحقق نصر حقيقي، ولتحقيق نوع من التنمية أو الحكم فيما عدا بعض المناطق المنتقاه أو المحدودة.
وماذا عن العراق؟
بشأن الموقف في العراق ، فهو مختلف جداً. حيث نرى أن القاعدة تم دفعها خارج بغداد، وخارج الأنبار. كما تم القضاء على العديد من عناصرها في ديالي بصورة كبيرة. حيث أصبحت مركزة في محافظة نينوي Ninevah والموصل، لكنها تتكبد الكثير من الخسائر،
ولا يعني ذلك نهاية للعنف. فالقادة العسكريون الأمريكيون يستخدمون مصطلح البحث عن " الحد الأدنى المقبول Irreducible minimum" من العنف حتى تستطيع الحصول على حكم أو اقتصاد أفضل. وهو ما يشير إلى وجود عدة تحديات أمام القوات الأمنية، وهي في الحقيقة الحرب الأفغانية-الباكستانية، ومكاسب أمنية كبرى في العراق.
هل يوجد تشابه؟
إن الحربين متشابهتين في كلا البلدين فليس لديهما حكم مركزي كفء يمكنهما من تقديم الخدمات، وتقديم قوات أمن حكومية على درجة عالية من الكفاءة. كما أن كِلا البلدين يٌعاني من مشكلات تنموية حادة ومشاكل بطالة. غير أن الموقف أفضل في العراق. ففي العراق، ضعف الحكومة المركزية، إلى حد ما،
يُتغلب عليه، أو تحد منه المفاوضات، التي تدور حول رئيس الوزراء، بين الطوائف الرئيسية في الحكومة المركزية.
فإقامة حكومات إقليمية ومحلية لا يتم إلا من خلال إعطاء سلطات للمحافظات أكبر، لكن من خلال إجراء انتخابات على مستوى المحافظات يمكن أن تخدم كقوة مقابلة لضعف الحكومة المركزية.
وهو ما يدعم عمل فريق إعادة البناء على مستوى المحافظات، ودور القوات الأمريكية. وذلك ملاحظ بصورة أكبر في وسط البلاد عن الجنوب لكن هناك تقدم حقيقي.
أما بالنسبة للموقف في أفغانستان فإن نقص قوة حلف الناتو لرفض أربع دول رئيسية: (ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وأسبانيا) إرسال قواتها لأفغانستان لتردي الأوضاع الأمنية هناك. إلى جانب عدم وجود تنسيق حقيقي لجهود المساعدة، فهي مساعدات صغيرة بالنسبة لمقياس دعم الحكومات. كما أن جهود بناء حكومات محلية كان لها أثر محدود جداً رغم أنهم بدأوا مبكراً عن الحالة العراقية.
وفي إطار تقديم المساعدات، أعتقد أن أحد الأمور المأسوية التي حدثت في العراق هي التقارير بشأن إعادة بناء العراق صحيحة. فنحن أضعنا 37 بليون دولار من أموال الولايات المتحدة الأمريكية والأموال العراقية. فنحن ليس لدينا خطط حقيقية أو لها مصداقية للعراق لتستوعب المشاريع التي أتممناها.
والحكومة العراقية ليست مستعدة لإنفاق أموالها بكفاءة، أو في بعض الأحوال ككل. لكن هناك أموال أكثر، وذلك الشئ يسهل التعامل معه من المشكلات في أفغانستان.
كيف تٌعرف النصر في العراق؟
بأن يكون لدينا في العراق دولة صديقة ومستقرة وآمنة لا تُدار من خلال القمع ولديها بعض مظاهر التعددية. لكن عند الحديث عن العراق وأفغانستان يصعب توقع بناء مجتمع عراقي على غرار المجتمع الأوروبي الغربي أو المجتمع الأمريكي في المستقبل القريب. وكما قال أحد العمال " أنتم لم تذهبوا للحصول على الديمقراطية، لكن ربما تحصلون على ديمقراطية عراقية Iraqocracy" وذلك الذي لابد من أن نعرفه.
كما أن على الولايات المتحدة والعالم كله أن يُدرك أن تلك المجتمعات عندما تتمكن من صنع خياراتها، هذه الخيارات لن تكون خيارتنا، فهي تتوقف على عمل حكوماتها ورؤيتها لأمنها ووظائف المجتمع المدني،
الأمر الذي لابد أن نقبله. فوهم الليبراليون الجدد في فيتنام والمحافظين الجدد في العراق وأفغانستان ذلك شئ يمكن تغييره، فجأة وبصورة راديكالية، لجعل الدول الأخرى متكافئة. فلا يمكن أن يكون هناك استنساخ للمجتمعات فذلك وهم لا يمكن تحمله.
هل يمكن أن تفصل الأمر بالنسبة لأفغانستان؟
في أفغانستان، لا يٌوجد تخطيط حقيقي الأمر الذي أدى لبرامج غير مؤثرة لها أثار جيدة لكنها لا تحل مٌشكلة تقديم الخدمات، أو تحقيق الاستقرار أو تٌقابل توقعات المواطنين. فقد تم تكوينها من جانب فريق الولايات المتحدة الملتمس للتمويل، ومن خلال مشكلات الكونجرس وعقبات الإنفاق الكفء.
أنت تتعامل مع مصطلح قريب من المساعدة في أفغانستان، التي تعد دولة بعيدة على نحو ما من كونها دولة نامية أكثر من العراق. في الوقت ذاته، هناك صعوبة أخرى نجدها في كلا البلدين تتمثل في أنه لا توجد خطة أمريكية حقيقية للمستقبل.