روى لـ«الحياة»قصة مطاردة طويلةغيّرت وجه العراق وهزّت توازنات المنطقة(3) ..الدكتور أحمد الجلبي: إجتثاث البعث فكرتي وتطبيقها أنقذالبلاد من مذبحة واسعة...إصرار واشنطن على إعلان الإحتلال وحل الجيش زادا أوضاع العراق سوءاً
حاوره غسان شربل ... الحياة- 23/03/09//
كانت المعارضة العراقية تأمل غداة سقوط نظام صدام حسين في تشكيل حكومة عراقية موقتة لكن هذا الخيار سقط في واشنطن التي فضّلت إعلان الاحتلال والإدارة المباشرة. ويعتبر أحمد الجلبي ان هذا الخيار الأميركي عقد الوضع في العراق، خصوصاً أنه ترافق مع تنافس وتشاحن بين الجهات الأميركية المعنية بالعراق.
ويؤكد الجلبي انه كان وراء فكرة اجتثاث البعث، معتبراً انها أنقذت العراق من مذبحة واسعة كان يمكن ان تستهدف البعثيين. ويضيف انه عارض قرار حل الجيش العراقي، ولم يفهم حتى الساعة مبررات هذا القرار.
وهنا نص الحلقة الثالثة:
> عندما وصل الحاكم المدني الاميركي بول بريمر الى بغداد، كان أول قرار اتخذه إعلان حل حزب البعث وفصل جميع البعثيين من مناصبهم الحكومية. بأي صفة أخذ هذا القرار؟
- بصفته رئيس سلطة الائتلاف الموقتة وبدأ ممارسة صلاحياته بإعلان هذا القرار رقم 1.
هذا حصل بين 13 و16 أيار، أما مجلس الحكم فشكل في 13 تموز. أصابني قلق من هذا الأمر: حل حزب البعث ومصادرة أملاكه وفصل كل البعثيين من الحكومة، أي ان البعثي مهما كانت رتبته متدنية كان مشمولاً بقرار الفصل. ذهبت الى بريمر وسألته عن هذا القرار، اذ اننا نحن وراء فكرة اجتثاث البعث، لكن هذا القرار غير مقبول، نحن نعرف ان عراقيين كثيرين اضطروا ان يصبحوا بعثيين لأسباب معيشية. كنا نريد ان لا يطال القرار سوى المسؤولين في الحزب، وردّ بريمر ان لا فائدة من النقاش، لأن هذا القرار اتخذ في واشنطن وعليه أن ينفذ.
أما القرار الثاني الذي اتخذه فهو حل الجيش العراقي وكل أجهزة الأمن والمخابرات والأمن العام ووزارة الإعلام.
> هل حصل هذا فور وصوله؟
- فور وصوله، ومن دون أن يسأل أحداً على الإطلاق اتخذ القرار بمفرده ولم يستشرنا، وكما قلت لك كنا ضد حل الجيش، وكنا نريد المحافظة عليه والاحتفاظ بوحداته وبالعناصر الوطنية التي لم تتلوث بنظام صدام.
> هل تأثر بريمر برأيك بالـ «سي آي أي»؟
- حتى الآن لم أفهم كيف اتخذ هذا القرار في واشنطن.
> ممن كان بريمر يتلقى تعليماته؟
- الحقيقة انه كان تابعاً للرئيس بوش، وأعتقد أن راتبه كان من وزارة الدفاع. بريمر كان يطمح ان يصبح وزيراً للخارجية وكانوا يسمونه جيري بريمر، لكن اسمه هو بول بريمر، وهو عمل عشر سنوات مدير إدارة في شركة لكيسنجر، وكان يتصرف كأنه نائب الملك في العراق، ويحاول أن يقدم نفسه على انه ممثل الرئيس بوش، فأصدر قرار حل الجيش من دون ان يسألنا وكان هذا القرار مخالفاً لرأينا.
> من كان من المعارضة ضد هذا القرار؟
- كلنا، لم يؤيده أحد.
> بما في ذلك قادة الأكراد؟
- لم يطلب أحد هذا الأمر ولم يؤيده. نحن كنا نريد حكومة موقتة وكنا نجري اتصالات جانبية مع القيادات العسكرية وضباط. وأنا اجتمعت مع ضباط وقادة شرطة ودخلنا في تفاصيل ضبط الوضع في بغداد في تلك الفترة. هذا القرار اتخذه بريمر بمفرده بعدما أبلغ قيادات المعارضة العراقية ان لا أمل لديها في تأسيس حكومة موقتة.
> هل أبلغهم بريمر ام انهم اختلفوا في ما بينهم؟
- لا، لم يحصل خلاف على ذلك، ولم يحصل أي بحث جدي في هذا الموضوع. ولا تنسَ ان قادة المعارضة لم يكونوا كلهم في بغداد. أنا وصلت يوم 15 نيسان مع الدكتور عادل عبدالمهدي وهو الآن نائب رئيس الجمهورية وكان يمثل السيد عبدالعزيز الحكيم.
> يعني «فيلق بدر»؟
- لا، كان يمثل السيد عبدالعزيز الحكيم، و «المجلس الأعلى»، ثم بدأ قادة المعارضة بالوصول تباعاً الى بغداد، بحيث اكتمل حضورهم في أواخر الشهر الرابع، وجاء بريمر في 13 أيار، يعني أن الفترة الزمنية التي كانت متاحة للبحث في المواضيع كانت قصيرة جداً، وكان خليل زاد أبلغنا في 2 أيار انه سيذهب الى أميركا ويعود لتشكيل حكومة موقتة.
> هل لديك شك في ان إسرائيل وراء قرار بريمر بتدمير العراق؟
- لا أملك أي دليل على ذلك.
> لأنه قرار يصعب تفسيره.
- لا أملك دليلاً على أن اسرائيل وراء هذا القرار، لكن الجيش العراقي في 9 نيسان كان مجرد اسم، لأن الجنود والضباط ذهبوا الى منازلهم والمعسكرات نُهبت بكاملها. واذا كنت تريد المحافظة على الجيش اين تجمع عناصره؟ تبقي عليه أين تضعهم؟ معسكر الرشيد في بغداد ومعسكرات قيادات الفيالق في مناطق مختلفة، كلها نهبت.
> نهبت؟
- حتى الحجر نُهب، الفخار، الطابوق، لم يبق شيء.
> ألا تتحمل شخصياً مسؤولية فكرة اجتثاث البعث؟
- نعم، فكرة اجتثاث البعث كانت لسببين: أولاً لأنه تحول من حزب سياسي الى أداة قمع، كالحزب النازي، وأصبح لدى من ينتسب إليه مزايا مضاعفة في الوظائف الحكومية مقارنة بزملائه من خارج الحزب. وأصبح من واجبات البعثيين التجسس على إخوانهم المواطنين. ويتحمل حزب البعث المسؤولية عن حكم صدام لأنه اصبح أداة بيده وتحول من حزب سياسي عقائدي له قيم عالية الى هيئة سياسية إدارية تجسسية تنفذ رغبات صدام. ثانياً، يتحمل حزب البعث مسؤولية طحن ثلاثة أجيال في العراق. معلم في مدرسة يتقاضى راتب 50 ألف دينار اذا كان عضواً في الحزب في حين ان المعلم بنفس الدرجة يتقاضى 5 آلاف دينار اذا لم يكن عضواً، وأعتقد أن بقاء حزب البعث خطر على الوضع الجديد، كما كنا نرغب في منع حالات الانتقام العشوائية من البعثيين كأفراد، وأردنا أن نحميهم، وأنا أدعي أننا نجحنا في ذلك، لأن اجتثاث البعث جعل عمليات الانتقام محدودة، وهناك معلومات دقيقة عن حالات حصلت لكنها محدودة، اذ لم يحصل انتقام من البعثيين في حجم مذابح وقتل كما كان متخوفاً منه، وأعتقد أننا نجحنا في هذا.
> يعني اخذوا فكرتك عن اجتثاث البعث، لكن طبقها الأميركي على طريقته؟
- لا، نحن لم نترك الأمر على هذا الشكل، بعد تشكيل مجلس الحكم، ظللنا نلح على بريمر، حتى اقتنع ان الموقف أكبر منه، واصبحت أول هيئة بيد العراقيين هي هيئة اجتثاث البعث. أسسنا الهيئة الوطنية العليا وانتخبت رئيساً لها، وكان جميع القادة السياسيين تقريباً اعضاء فيها، لكن انا تحملت المسؤولية وكنت أعرف ان ردود فعل كثيرة ستصدر وكذلك سوء فهم، وأصبحتُ هدف البعثيين. أول قرار اتخذته الهيئة نص على اعادة كل بعثي دون مستوى عضو فرقة الى وظيفته، يعني أعدنا مئات الآلاف الى وظائفهم، ولم يتعرض لهم أحد. أما عدد الذين شملهم الاجتثاث فكان مليوناً و200 ألف بعثي، أما الذين تم اجتثاثهم فعددهم 38 ألفاً، وهم برتبة عضو فرقة وما فوق، وصولاً الى عضو قيادة قطرية، وبين هؤلاء 32 ألف عضو فرقة و6 آلاف عضو شعبة وما فوق، واعطينا اعضاء الفرقة الحق في طلب الاستثناء من هذا الاجتثاث، لكن بشروط، وعرضنا عليهم طلب التقاعد على ان يحصلوا على راتب التقاعد من دون قيد أو شرط. من اصل 32 ألفاً قدم 16 ألفاً طلب الاستثناء، وافقنا على ما يزيد على 15 ألفاً و500 شخص وأعيدوا الى وظائفهم، بينهم مدرسون وأساتذة جامعيون وموظفون في الدولة.
> وفي الجيش ايضاً؟
- نعم، قادة الفرق خضعوا للاجتثاث، وكذلك قادة العمليات في بغداد وفي مكتب القائد العام، كلهم طلبوا الاستثناء، وكذلك قادة الشرطة الوطنية. كما أن 2500 شخص قدّموا طلبات تقاعد تمت الموافقة عليها كلها، أما الباقون فلم يقدموا طلبات، فأين هم؟ هؤلاء أعضاء الشُعب الذين طرحنا منحهم حق التقاعد.
> عدا مرتكبي الجرائم؟
- هذا الأمر لا دخل لنا به. هيئة الاجتثاث لا يحق لها الاعتقال ولا الفصل أو الحجز. كنا نبلغ الإدارة المعنية ان شخصاً ما خاضع لاجتثاث البعث ونطلب اتخاذ الإجراءات المطلوبة بحسب القانون. وهناك وزراء لم ينفذوا. مرة كتب لنا وكيل وزارة الداخلية ان عنده 3 آلاف شخص خاضعين للاجتثاث وما زالوا في الوظيفة. نحن لم نكن نفصل الناس إنما كنا جهة كاشفة فقط. كانت للهيئة سلطة معنوية عالية.
استغل أميركيون الوضع وبدأوا تحميل مسؤولية الفشل الإداري لهيئة الاجتثاث، فبدأوا يهاجمونها، ويضغطون على الحكومة العراقية والمجلس النيابي لتغيير قانون الاجتثاث. وبعد ضغوط اميركية كبيرة اصدر المجلس النيابي في شهر شباط 2008 قانون المساءلة والعدالة الذي استبدل هذه الهيئة بهيئة اجتثاث البعث، لكن نصوص القانون الجديد كانت أشد وطأة على البعثيين، اذ ينص على أن كل من كان في الأجهزة الأمنية مع صدام يحال الى التقاعد، وهناك ما لا يقل عن عشرة آلاف شخص في أجهزة الأمن العراقية الحالية يجب إحالتهم الى التقاعد بموجب هذا القانون.
> يمكنك القول إن اجتثاث البعث فكرتك وأنت راض عن تطبيقها لأنها جنّبت البعثيين عمليات ثأر جماعية ضدهم؟
- كما أنها فككت سيطرة البعث على المجتمع.
> لكنك تقول إن لا علاقة لك بفكرة حل الجيش العراقي؟
- نعم، فقد كنت ضد هذه الفكرة وطالبتُ بإجراءات عملية لإبقاء الجيش والحفاظ على معسكراته.
> هل أيد احد من القوى السياسية فكرة حل الجيش؟
- لا.
> إذاً كانت هذه فكرة أميركية؟
- نعم، واتخذها بريمر من دون ان يستشير احداً.
> هل تستطيع القول ان جزءاً من المشكلة في العراق تكمن في ان الأميركيين أسقطوا نظام صدام ولم يكن لديهم تصور لما سيحدث بعد ذلك؟
- الأميركيون كانت لديهم تصورات مختلفة، الأول كان تشكيل حكومة عراقية موقتة. هذا التصور فشل في واشنطن. والثاني هو الاحتلال والحكم المباشر، وهذا نجح في واشنطن.
> هل كان هناك تنافس دائم بين الـ «سي آي أي» ووزارة الدفاع؟
- نعم، دائماً.
> وبين الخارجية والدفاع؟
- نعم.
> هل كانت الـ «سي آي أي» أقرب الى الخارجية؟
- نعم، في عهد كولن باول.
> هل تسبب هذا التنافس بالفشل الأميركي؟
- نعم، هذا واضح عندي. هذا التنافس بين الأميركيين وعدم قدرة الرئيس بوش على حل النزاع داخل إدارته تسببا في تذبذب السياسة الأميركية وتخبطها في العراق وتشجيع أعمال العنف وسوء الإدارة والفساد.
> تعرض العراق لعملية نهب غير مسبوقة، أليس كذلك؟
- ماذا يعني ذلك؟
> هناك فساد؟
- طبعاً، العراق تعرض لعمليات فساد. يعني الذين نهبوا العراق هم من المفسدين العراقيين بالتعاون مع بعض الأجانب، لكن قسماً من الأميركيين كانوا فاسدين ايضاً. إنما تسامح الآخرون مع هذا الفساد.
> ألست مستفيداً من هذه المسألة؟
- أبداً.
> هل يمكن ان أسأل سؤالاً مباشراً، بما أنك رجل الـ «سي آي أي»، ألست شريكاً في الفساد؟
- أبداً، أنا أول من نبّه الى الفساد في مجلس الحكم، بحسب المحاضر وأول من تحدى بريمر. قلت له: ايها السفير بريمر انت الوحيد بتوقيعك المنفرد تتصرف بأموال صندوق التنمية الذي فيه كل اموال العراق فانتبه الى ما تفعله وما توقعه، وكان يغضب مني.
> ألم تتقاضَ أموالاً أميركية؟
- من قبل، فنحن كنا تعاونّا مع الأميركيين بحسب قرارات الكونغرس.
> أتكلم عما بعد سقوط صدام، ألم تستفيدوا في المؤتمر الوطني من الصفقات والوزارات؟
- أبداً، غير صحيح. أنا كنت تحت مجهر كل الأطراف ولم يستطيعوا أن يجدوا شيئاً. سأتحدث بالتفصيل عن هذا الموضوع. وصلنا الى العراق، ولم يشترك اعضاء المؤتمر الوطني في أي عمل مع الأميركيين. بعضهم قام بأعمال مخالفة للقانون، لكن قضايا بسيطة، أما في المشاركة في عقود الأميركيين أو عقود الحكومة العراقية فالمؤتمر ابتعد عن هذا الموضوع، فالاميركيون استهدفونا في المراحل الأولى وأبعدونا عن كل شيء، وعن كل السياسيين العراقيين الذين أتوا لاحقاً، وقد أكون الوحيد الذي باع من أملاك أهله وأقاربه وليس من أملاك صدام والدولة.
> من يشغل أملاك صدام؟
- حدّث ولا حرج في بغداد، عن املاك صدام وأملاك الدولة، الكلّ، دعنا لا نحدد، نحن لسنا دلالي أراضٍ لكن حتى مقراتنا أخذت منا بالقوة، كان لدينا مقر في البيت الصيني ومقر المخابرات.
> هل اخذها الجيش الأميركي؟