ج - الغياب غير المبرر للقوات الجوية العراقية عن المشاركة في الحرب وتركها لباقي فروع القوات المسلحة تحت رحمة القوات الجوية الأمريكية والبريطانية، إذ إنه عند بدء القتال كان لدي العراق حوالي 100 طائرة مقاتلة و 200 طائرة عمودية ونقل، وقد وجد الأمريكيون 50 منها في قاعدة الاسكندرية (جنوب بغداد) و 15 في السعدية (غرب العراق) وإحدى وخمسين في قاعدة سرية غرب العراق أيضاً، وكان بإمكان تلك الطائرات القيام بعمليات انتحارية أو حتى إزعاجية، واستنزاف الجهد الجوي الأمريكي في منازلتها وإسقاطها، بل ربما أدى دخول قوات جوية عراقية في الحرب إلى إرباك الغزاة وجعلهم يشتبكون مع بعضهم البعض خطأً، وسقوط طائرات بنيران صديقة، لكن بقاء السماء مفتوحة وتحت سيطرة القوات الأمريكية، سهل عملية إبادة فرق الحرس الجمهوري بمجرد خروجها من تحصيناتها.
د - محدودية أعداد الأسلحة الحديثة المضادة للدبابات، والتي ادخرها العراقيون لمعركة بغداد فانتهت المعركة قبل استخدامها وغنمتها القوات الأمريكية فيما بعد، وحاول العراق التصدي بدباباته القديمة للدبابات الأمريكية الحديثة، فكانت النتائج كارثية، وكانت طبيعة القتال في حرب العراق هي قتال المدرعات، وكان دور المشأة هامشياً، ومع ذلك فإن المشاة العراقيين - بالتعاون مع المتطوعين العرب - سببوا إزعاجاً وقلقاً، وأنزلا بالقوات الأمريكية أفدح الخسائر بالمدفعية المحمولة على عربات الجيب، وكذلك بقذائف الأر.بي.جي.
ه - التخبط في الخطة العراقية، فبعد أن أدرك العراقيون أن دباباتهم كانت تدمر بالقصف الجوي - حتى وهي في خنادقها - حاولوا إخراجها للاشتباك مع المدرعات الأمريكية والتخلي عن خطتهم الأولى التي تقتضي انتظار قدوم الغزاة ثم الدخول معهم في قتال متلاحم يحيّد قدرات الطيران، فعرضوها لنيران الطيران المباشرة، وفقدوا أعداداً كبيرة منها جعلت فرق الحرس الجمهوري فرقاً هيكلية لا توجد إلا على خرائط العمليات خلال ثلاثة أيام فقط (هي الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر من بدء القتال)، وأدت خسائر الدبابات العراقية بأعداد كبيرة في الاشتباكات التي دارت حول المطار يوم الاثنين 7 إبريل على وجه الخصوص إلى تدهور الروح المعنوية لأطقم الدبابات العراقية الذين أدركوا أن الخروج لمواجهة المدرعات الأمريكية معناه الفناء أمام مدافعها الضخمة أو بصواريخ الطائرات العمودية قبل الاشتباك معها، ولذلك ارتفعت وتيرة ومعدلات الهروب خلال الأيام التي تلت ذلك.
و - إساءة تقدير العراقيين لمقدرة الأمريكيين على استخدام الاستطلاع الجوي والمصادر الاستخبارتية البشرية في تحديد مواقع المسؤولين والقوات والعتاد العراقي وتدميره بالقصف الجوي والقنابل الدقيقة التوجيه، مما أفقد العراقيين قدراً كبيراً من استعداداتهم قبل وصول القوات الأمريكية إلى مشارف بغداد، فقد استطاع الطيران تدمير ما يزيد على 60% من المدرعات العراقية وهي في خنادقها ومواقع انتشارها المموهة.
ز - إهمال الاستفادة من الموانع الطبيعية
- كالأنهار والمضائق - وترك الجسور والطرق مفتوحة أمام الغزاة دون أية إجراءات لتعطيل تقدم الطوابير المدرعة والاكتفاء بالهجمات الانتحارية الفردية الإزعاجية التي لم تحدث أي تأثير عسكري يذكر، بل إن ميناء أم قصر - المدخل الرئيس للإمدادات - ترك دون أن يدمر أو يلغم كما يجب، بل إن الحشد كان يتم على مرأى من العراقيين في الموانئ الخليجية، ولم يحاولوا تلغيم الخطوط الملاحية البحرية كما فعلوا خلال حربهم مع إيران، مع العلم أن هذه الإمكانية كانت متوفرة ومتاحة لهم، وقد عزى بعض كبار القادة - الذين وقعوا في الأسر - ذلك إلى إصرار الرئيس صدام حسين على استدراج الأمريكيين إلى أسوار بغداد ثم تكبيدهم خسائر فادحة تجبرهم على الانسحاب، وللحفاظ على الجسور لتبقى للعراقيين.
ح - تعدد منظومات الدفاع عن العراق وتشتيت الإمكانات المؤثرة الفعالة (القذائف المضادة للدروع والصواريخ المضادة للطيران المحمولة على الكتف) الشحيحة أصلاً بفعل الحصار ونضوب الموارد الإمدادية المحلية وتوزيعها بشكل غير متكافئ بين الجيش والحرس الجمهوري والحرس الخاص وفدائيي صدام ومليشيات البعث وجيش القدس، إضافة إلى انعدام الثقة بين هذه التنظيمات وغياب التنسيق بينها، إذ كان كل منها يقاتل بأسلوب قبلي عشائري بدائي في تكتيكاته وإمكاناته النارية، مما جعله يتعرض للانهيار الفوري عند مواجهة قوات عصرية قادرة على تدميره بأسلوب العمليات المشتركة التي تشارك فيها القوات الخاصة والمدرعات والطائرات العمودية المسلحة جنباً إلى جنب وينزل بالآخرين خسائر جسيمة، دون أن ينالها إلا القليل من الخسائر.
ولذلك نستطيع القول إن القوة الرئيسة الحقيقية التي كان يمكنها القتال هي الحرس الجمهوري والحرس الخاص، وهذه القوة تعرّض قسط كبير منها للإبادة قبل الاشتباك مع الغزاة بفعل القصف الجوي، وما تبقى هرب أو استسلم قبل أن يخوض القتال، لأنه كان يعرف ما ينتظره، فقنع من الغنيمة بالإياب، ولم يبق فيه سوى فرقتي "عدنان" و "نبوخذ نصر" المرابطتين في محافظة صلاح الدين.
ولذا فإننا يجب أن نفسر هذه الفرحة العارمة التي رأيناها تجتاح المدن العراقية في إطارها الصحيح، فهي ليست ترحيباً بجنود "العم سام" بقدر ما هي فرحة شعب أعزل "عجزت قيادته عن حمايته"، فرحته وابتهاجه بتوقف القصف الجوي، وأمله في إيقاف الحصار المفروض عليه، وتطلعه إلى العيش بسلام بلا حروب وصراعات، وفرحة جيش يخوض حرباً غير متكافئة تزهق أرواح أبنائه وتسيل أنهار الدماء وتسقط في كل يوم من أيامها قوافل الشهداء بلا أمل في النصر أو حتى الهدنة، ويرى في الهزيمة السريعة فرصة الحياة والنجاة الوحيدة أمامه، خصوصاً وأن الغزاة لن يتعرضوا لأرضه أو ممتلكاته أو عرضه وحرماته، وإنما قدموا لإحداث تغيير سياسي قد يصب في مصلحته، وأيضاً فإن ما نراه هو ابتهاج طبقة المتعلمين والسياسيين بانتهاء حكم النظام الفردي المتسلط، والخلاص من طبقة (التكارتة) - نسبة إلى مدينة تكريت مسقط رأس الرئيس العراقي - المسيطرة على مقدرات البلاد، ولذلك فإن رموز النظام عندما اشتدت وطأة الحرب عليهم، بادروا إلى الهرب، فهم يعرفون مشاعر الناس تجاههم، ويوقنون أن المصير الذي ينتظرهم على أيدي مواطنيهم لن يقل قسوة عن ذلك الذي يتوعدهم به الأمريكيون
منقول من مجلة كلية الملك خالد العسكرية