ولم يتمكن الليندي من الفوز في انتخابات الرئاسة التي جرت في عام 1964 إلا أنه تمكن في عام 1970 من الفوز بعد أن شكل تحالفاً عريضاً من أحزاب اليسار. وقد أوفد جهاز «كي جي بي» ضابطاً كان يقيم في مكسيكو سيتي إلى تشيلي لمواصلة الاتصال بالليندي خلال الحملة الانتخابية وتنسيق عمليات سرية تهدف إلى ضمان نجاح.
خطة من شقين تفيد وثائق متروخين أن كلاً من الاستخبارات الأميركية، «سي آي أيه» التي تعمل بتعليمات من البيت الأبيض واللجنة 40 التي تشرف على العمليات السرية الأميركية، و«كي جي بي» انفق مبالغ طائلة في محاولة للتأثير على نتائج الانتخابات. ورغم أن «سي آي أيه» أنفقت 425 ألف دولار في محاولة لضمان هزيمة الليندي، إلا أن هذا الإنفاق لم يترك الأثر المطلوب مثلما حققت المبالغ التي ضخها «كي جي بي».
ووافقت اللجنة 40 على القيام بحملة دعاية لتحذير التشيليين من خطر انتخابات الليندي وقيام حكومة ماركسية، لكنها لم تنجح في تقديم الدعم الكافي للمرشحين المعارضين لليندي.
والجدير بالذكر هنا أن الحزب الشيوعي التشيلي كان يحصل خلال عقد الستينات من القرن الماضي على دعم سنوي من موسكو يفوق أي دعم يحصل عليه أي حزب شيوعي آخر في أية دولة بأميركا اللاتينية أو بالعالم. وكان الدعم المخصص للحزب في عام 1970 يبلغ 400 ألف دولار، إلا أن «كي جي بي» نصح القيادة السوفييتية بتقديم دعم إضافي لتعزيز موقفه في حملة الإنتخابات.
كما وافقت القيادة على تقديم دعم شخصي بمبلغ 50 ألف دولار يتم تسليمه مباشرة لألليندي. كما قدم جهاز «كي جي بي» 18 ألف دولار لعضو يساري في البرلمان لإقناعه بعدم ترشيح نفسه.
وفي 4 سبتمبر 1970 فاز الليندي في انتخابات الرئاسة بنسبة 3,36% من الأصوات بينما فاز خصومه من القوميين والديمقراطيين المسيحيين بـ 35% و8,27% على التوالي.
وبهذا نجح «كي جي بي» في القيام بدور مهم لتفادي خسارة الليندي للمرة الثالثة خاصة وأن الليندي قد فاز بفارق 39 ألف صوت فقط من إجمالي ثلاثة ملايين صوت.
وقد أثارت نتيجة الانتخابات حنق وغضب الرئيس الأميركي في ذلك الوقت ريتشارد نيكسون وذلك على حد قول مستشاره للأمن القومي هنري كسينجر. وبعد ان وجه نيكسون اللوم للديمقراطيين لأنهم سمحوا لكوبا بالاتجاه نحو الشيوعية، فإنه بات يواجه نفس اللوم كرئيس جمهوري وهو يرى تشيلي تسير على خطى كوبا.
وطلب نيكسون من كيسنجر بضرورة التحرك وبسرعة للحيلولة دون موافقة الكونغرس في تشيلي على الليندي كرئيس للبلاد. ورسمت «سي آي أيه» خطة من شقين الأول ايجاد طريقة ما لاقناع الكونغرس التشيلي بعدم التصويت على تولي الليندي الرئاسة، والثاني تدبير انقلاب عسكري. وقد فشلت الخطة بشقيها. وفي يوم 24 أكتوبر وافق الكونغرس التشيلي على انتخاب الليندي رئيساً.
إلا ان العمليات السرية لـ «سي آي أيه» ضد الليندي استمرت خلال فترة رئاسته. وقد أصدر نيكسون تعليماته بضرب الاقتصاد التشيلي. وفي المقابل كان جهاز «كي جي بي» يحيط الليندي علماً بالمخططات الأميركية، وفي بعض الأحيان ينقل له معلومات غير صحيحة، مثل الزعم بأن ناتنيال ديفز الذي وصل الى سانتياغو كسفير أميركي في اكتوبر 1971 هو ضابط في الاستخبارات الأميركية.
ويقول مؤلفنا إنه ليس هناك أي دليل يشير الى أن الليندي أدرك ان «كي جي بي» يخدعه.. ومع ذلك فقد ركز «كي جي بي» اهتمامه على تعزيز اتجاهات الليندي المناهضة للسياسية الأميركية.
وكان الجهاز يحصل على تقارير منتظمة عن أنشطة ضباط الاستخبارات الأميركية الذين يحاولون اختراق قادة الجيش وجهاز المخابرات وكانت تنقل هذه التقارير الى الليندي. كما أقامت الاستخبارات الكوبية علاقات وثيقة مع الليندي وأفراد أسرته، وكان الحرس الشخصي للرئيس التشيلي يضم العديد من الكوبيين بل أن ابنة الليندي، بيريتس التي كانت تشرف على أمن الرئاسة، تزوجت من ضابط استخبارات كوبي.
وفي هذا الصدد أشارت تقارير استخباراتية أميركية إلى أن الليندي كان يبدي احتراماً كبيراً للاستخبارات الكوبية، ويعتبرها أكثر كفاءة وثورية من الاستخبارات السوفييتية.
وفي 7 ديسمبر وفي مذكرة للمكتب السياسي وقع اندروبوف شخصياً عليها، اقترح جهاز «كي جي بي» تقديم مبلغ آخر «60 ألف دولار» لألليندي نظراً لما قدمه لزعماء الأحزاب السياسية والقادة العسكريين وأعضاء البرلمان «ويعني بذلك رشوة كل هؤلاء». كما طلب «كي جي بي» من الليندي ان يعزز مكانته من خلال اقامة «اتصالات غير رسمية» مع قادة الأمن في تشيلي.
وبحلول عام 1972 أصبحت تقارير «كي جي بي» عن تشيلي حذرة بصورة أكبر من العام السابق مع دخول القوتين الأعظم في فترة من الوفاق بعد ان قام نيكسون بزيارة موسكو في عام 1972 وزيارة بريجينيف لواشنطن رداً على ذلك. وأراد أندروبوف ألا يثير قلق إدارة نيكسون ويتحدى نفوذها في أميركا اللاتينية. وكتب اندروبوف يقول: «إن أميركا اللاتينية هي مجال للمصالح الخاصة الأميركية.
لقد سمحت لنا الولايات المتحدة بالتصرف في بولندا وتشيكوسلوفاكيا، ويجب علينا ان نتذكر ذلك، انه يتعين علينا ان ننتهج أسلوباً حذراً في أميركا اللاتينية.
وعن نهاية حكم الليندي ترى وثائق «كي جي بي» أن خطأ الليندي الأساسي كان عدم استعداده لاستخدام القوة ضد خصومه وعدم فرض سيطرته الكاملة على جميع أجهزة الدولة.
وكانت المحاولة الأولى للإطاحة بنظام الليندي من جانب نشطين من حركة «باتريا ليبرتاد» اليمينية المتشددة الذي خططوا مع ضباط من الوحدة المدرعة الثانية لاختطاف الليندي يوم 27 يونيو 1973، إلا ان الخطة تسربت وتم احباط المؤامرة. أما المحاولة الثانية فقد شنها بينوشيه ومجموعة عسكرية يوم 11 سبتمبر من العام نفسه.
وقد نجحت المحاولة الإنقلابية وقتل الليندي عندما اقتحمت قوات بينوشيه قصر الرئاسة في لامونيرا، وذلك على حد قول كاسترو والعديد من مؤيدي الليندي.
وبذلك طويت صفحة من صفحات تاريخ تشيلي والدور الذي لعبته الاستخبارات السوفييتية في دعم زعيمها الليندي ومساندته ثم تخليها عنه حين انهار اقتصاد البلاد ومع دخول القوتين الأعظم في فترة الوفاق، لتفتح الباب أمام محاولات الإطاحة بنظامه، ولتدخل تشيلي في سنوات مظلمة من حكم الديكاتورية المطلقة.
تأليف :كريستوفر أندرو وفاسيلي متروخين
البيان
https://iraq.forum-canada.net/post.forum?mode=newtopic&f=5