يجد القارئ نفسه هنا على موعد مع المزيد من التفاصيل والإيضاحات من جانب المؤلفة في سياق عرضها لمخاوفها بشأن الأخطار التي أحاطت بعودتها حيث تفصل القول فيما يتعلق بترتيبات العودة على نحو يمكن للقارئ معه إدراك نطاق المغامرة التي خاضتها ويبدو معها أن اغتيالها كان نتيجة منطقية إزاء تربص العديد من الدوائر بها وصعوبة الإفلات من هذا الحصار، الأمر الذي يؤكد في الوقت ذاته شجاعتها في مواجهة هذه المؤامرات. |
فرغم القلق الذي انتابها جراء الرسائل التي أرسلها مشرف لها حول أن فرقاً انتحارية يمكن أن ترسل من الحدود الشمالية الغربية والمناطق القبلية من أجل محاولة اغتيالها لدى عودتها مباشرة، إلا أن ذلك لم يثنها عن هدفها. وهنا تشير إلى أنها تلقت بالفعل من حكومة مسلمة متعاطفة معها أسماء أشخاص والهواتف الخلوية لمغتالين محددين. كما أن نظام الجنرال مشرف كان يعلم بشأن تهديدات محددة ضدها، تتضمن أسماء وأعداد أولئك الذين خططوا لقتلها وأسماء آخرين بما فيهم من في إطار دائرته الداخلية وحزبه ـ من الذين نعتقد أنهم كانوا يتآمرون ضدها. وتذكر بوتو أنه رغم طلبها معرفة ما تم على صعيد مواجهة مثل هذه الاحتمالات، فإنها لم تتلقى تقارير بشأن الإجراءات التي تم اتخاذها قبل وصولها لمتابعة هذه التحذيرات وتوفير الحماية لها
.
مواجهة محكومة فيما يشير إلى نوع من المواجهة المحكومة وخلف الستار بين بوتو وأنصار النظام القائم، حسبما تذكر في الكتاب، فإن بعض مسؤولي النظام حاولوا بكل الطرق منعها من العودة أو إلقاء خطاب على قبر القائد العظيم محمد علي جناح، وأن يلغوا موكبها لدى العودة، من المطار إلى الضريح. ورغم كل ما سبق فقد أصرت بوتو التي يدعوها البعض بـ «ابنة القدر» على موقفها قائلة: لكني عرفت أن أولئك الذين يعتقدون في الديمقراطية وقيادتي ينتظرونني في الشوارع .
وأنهم جاءوا من كل أنحاء الدولة، منفقين أموالهم من أجل حزبي ومن أجل قضيتنا.. الحرية والكرامة الإنسانية. وبعد ما فعلوه من أجلي فإنني رأيت أنه من الخطأ أن أخذلهم وأتسلل خلسة إلى منزلي. لم أصل إلى هذا المستوى في حياتي.. أن أتخلى عن شعبي في لحظة ينتظروني فيها. ولا استطيع أن أخلف وعدي لهم بأنني سأعود في 18 أكتوبر 2007، العودة إلى بيتنا المشترك، وإلى منزلي وأرضي. |
ومع حلول الظلام، كان الموكب يتقدم ببطء بالغ نظراً لاحتشاد الجماهير، بدأت بوتو تلاحظ ظاهرة مزعجة وخطيرة. فمع اقتراب الموكب من زوايا الشوارع كانت الإضاءات تخبو ثم تنطفئ فجأة. كان التصور في البداية أن الأمر حدث عرضياً غير أنه مع تكراره كان الاستنتاج بأنه متعمد. هنا طلبت بوتو من طاقهما الاتصال بوكالات ومحطات تلفزيون الأخبار العالمية قدر استطاعتهم من أجل الكشف عن هذا الأمر بالغ الخطورة. |
كانت بوتو تأمل في أنه إذا ما تم التطرق إلى الموقف إعلامياً فإن الشرطة يمكن أن تتخذ بعض الإجراءات التي يمكن أن تحافظ على الإضاءة من أجل تأمين سلامة الموكب. وقد توجه أحد أعضاء الحزب إلى الجهة المختصة من أجل اتخاذ اللازم دون جدوى. وفيما بعد فإن أحد الأنصار أخبرها أن مكالمة جاءت من أجل إطفاء الأنوار لوقف دور التلفزيون في تسليط الأضواء على بوتو على نحو يزيد شعبيتها. وقد استطاع مسؤول الإعلام في الحزب الاتصال بخمس محطات تلفزيونية على الأقل وبدأ الأمر ينتشر ورغم كافة المناشدات فإن الإضاءة لم تعد ثانية. |
راحت بوتو تسأل أحد مرافقيها: هل لاحظت إضاءات الشوارع؟ كل جانب نقترب منه تطفأ أنواره، ولذلك فإن الطريق مظلم والحراس لا يستطيعون أن يروا شيئاً. إن شخصاً ما فعل ذلك، وسط مخاوف الفريق الأمني لدى بوتو بأنه يمكن أن يحدث إطلاق نار أو تفجير من قبل مجهول. |
لم تقتصر المفاجآت على إطفاء إضاءات الطريق وإنما امتدت لتشمل ما هو أخطر، فمعدات التشويش التي كان من المفترض أن تعوق إشارات الهاتف الخلوي «والتي يمكن أن تستخدم من أجل التفجير أو القنابل الانتحارية، أو حتى لعبة الكترونية تدار بالريموت كنترول مليئة بالمتفجرات» لنحو 200 متر حول شاحنتي يبدو أنها لم تكن تعمل. وقد تيقن ذلك لبوتو من خلال زوجها الذي كان يتابع التغطية الحية لعودتها على قناة البي بي سي حيث اتصل بأحد أصدقائه ممن كانوا مع بوتو على سيارتها في الموكب ويساعد في الإشراف على الأمن. |
لقد كان آصف في حالة قلق شديد إزاء ملاحظته على التلفزيون أن بعض من كانوا على السيارة في الموكب يتحدثون عبر الهاتف الخلوي. وقد كانوا يتحدثون عبر الهاتف الخلوي. كان يعرف أنه إذا كانت معدات التشويش تعمل بالفعل فإنه لم يكن من الممكن تلقي مكالمات هاتفية على الهاتف الخلوي وقد طلب معرفة لماذا لا تعمل معدات التشويش وحاول مستشار بوتو الأمني الوصول إلى طارق عزيز مستشار الجنرال مشرف للأمن القومي ولكنه لم يستطع أن يصل إليه. |
وازداد قلق آصف ليس فقط بشأن القنابل بل أيضاً بشأن القناصة ورجا زوجته أن تقف وراء الزجاج الواقي من الرصاص في سيارتها وألا تعرض نفسها مباشرة للجمهور. غير أن بوتو تفاجئه وتفاجئنا بالتأكيد على رفضها قائلة إنها يجب أن تكون في المقدمة وتحيي شعبها. وقد يكون ذلك أحد الأسباب الرئيسية التي دفعت البعض إلى إلقاء جانب من اللوم فيما بعد على عملية الاغتيال التي تعرضت لها بوتو وأشاروا خلالها إلى أنها لم تكن تأبه ببعض النواحي الأمنية في سبيل التعاطي مع جمهورها الذي يحبها. |
عرض ومناقشة: مصطفى عبدالرازق البيان الامراتيه