من الحدث المرعب الذي عاشته بنازير بوتو إثر عودتها إلى باكستان وكان مؤشرا لاتساع نطاق المتاعب التي ستواجهها في المستقبل تنتقل إلى تفاصيل رؤيتها لعدد من القضايا الأخرى التي تضمنها بقية فصول الكتاب، ويأتي على رأسها نظرتها الانتقادية لنظام الحكم القائم في إسلام آباد حاليا وطبيعة تحالفاته ونمط إدارته للحكم. ومن هذا الجانب تنطلق إلى أجواء جدل فكري مفصل بشأن الديمقراطية والإسلام والتوافق بينهما، مفندة في هذا المجال الدعاوى التي تسود في الغرب والتي يذهب بعضها إلى الزعم بغياب هذا التوافق.
في معرض التفصيل لرؤيتها تلك تقدم بوتو تقييما للنظام الحالي القائم في وطنها يعبر عن موقفها يتمثل في أن باكستان في ظل نظام ديكتاتوري عسكري - حسب توصيفها - أصبحت مركزا للحركة المتطرفة والتي تعمل على تحقيق هدف إعادة الخلافة الإسلامية، وإثارة صراع حضارات بين الغرب وتقديم تفسير للإسلام يرفض التعددية والحداثة. ورغم الانتقادات العديدة التي يمكن توجيهها إلى الحركات المتشددة، إلا أن طرح بوتو على هذا النحو يحمل تعميما قد يجانبه الصواب، فمن غير الدقة الإشارة إلى أن هذه الحركات تسعى إلى صدام مع الغرب هكذا في المطلق، على نحو يبدو معه الغرب هو الضحية. وقد يكون من الدقة الإشارة إلى أن طبيعة العلاقة بين الطرفين تحكمها مجموعة من المواقف المتبادلة من قبل ممثلين معينين على الطرفين تساهم في تأجيج هذه العلاقة على نحو يصل إلى ملامح صراعية. فإذا كان هناك على الضفة الإسلامية متشددون يميلون إلى الرؤى الصراعية، فإن هناك في الغرب كذلك متشددين - قد يكونون من غير المتدينين - يميلون إلى الصدام مع العالم الإسلامي.
وتشير بوتو إلى ما تراه صدعا آخر يتمثل في تلك الخلافات والمصادمات التي تحدث بين الأيديولوجيات المختلفة والطوائف في إطار العالم الإسلامي. هذا الوضع وسم مسيرة العلاقات في العالم الإسلامي على مدى زمني طويل، على نحو أعاق مسيرة النهضة الإسلامية التي تحققت خلال عصور الظلام في أوروبا، وقتها كان العالم الإسلامي حاضنا للمؤسسات العلمية والعلماء والأطباء والفنانين، فيما انعكس الوضع بقدر كبير اليوم في شكل صراعات داخلية تبدو لنا على نحو ملموس في العراق وباكستان. وقد انعكس هذا الوضع في عالمنا المعاصر، وفق الرؤية التي تقدمها بوتو، في احتكار الدين من قبل فئات متشددة من أجل تبرير وتسويغ ما يسمى بالجهاد ضد الغرب.
تأثير أحداث سبتمبر ... من هذا الجانب، تنقلنا بوتو إلى أحداث 11 سبتمبر ودلالاتها على صعيد التشدد الذي يسم فئات معينة في العالم الإسلامي، معتبرة هذا الحدث بمثابة الإنذار بالمواجهة الحادة مع الغرب. تقول بوتو: لقد كانت صور برجي التجارة العالمي وهما يحترقان ثم ينهاران تبث على كل أجهزة التلفزيون، وتم استقبال الهجوم بطريقتين مختلفتين في العالم الإسلامي. الكثيرون إن لم يكن أغلبهم في العالم الإسلامي تفاعلوا مع حالة الهلع والحيرة والارتباك والخجل عندما أصبح معلوما أن هذا الهجوم الإرهابي الكبير في التاريخ نفذ من قبل مسلمين باسم الله والجهاد. ومع ذلك فقد كان هناك كذلك رد فعل آخر، مزعج ومقلق: فبعض الناس رقصوا في الشوارع ومناطق من العالم العربي، والحلوى كان يتم توزيعها من قبل آخرين في باكستان وبنغلاديش، والإدانة كانت قليلة في اندونيسيا، كبرى الدول الإسلامية.
ورغم منطقية التحليل الذي تقدمه بوتو، إلا أنها في مواصلتها لذلك تقدم تصورات قد تبدو مثيرة للجدل، حيث تنتقد ما يمكن اعتباره ازدواجية للمعايير لدى العالم الإسلامي، وهى التهمة التي توجه للغرب بشكل أساسي، وفي ذلك تشير إلى أنه فيما اتحد نحو مليار مسلم في موقفهم الغاضب بشأن ما جرى من غزو أميركي للعراق، وسط إدانات لهذا الغزو وما حصده من أرواح، فإنه لم يسد غضب مماثل ضد الحرب الأهلية هناك والتي أدت إلى خسائر أكبر. |
وتزداد رؤية بوتو وضوحا في الأمثلة التالية، وهي تريد أن تشير من ذلك، إلى أن العالم الإسلامي يميل إلى لوم الآخرين على الأضرار التي يلحقونها به، فيما يميل إلى عدم انتقاد أطراف تقع في إطاره على أفعال مماثلة. |
تقول بوتو: من الواضح والمثير للحيرة أن قادة المسلمين والجماهير بما في ذلك المثقفون يشعرون بنوع من الارتياح جراء انتقاد الخارج على إلحاق الأذى بالمسلمين، غير أنه يسود قدر من الصمت المريب عندما يتعلق الأمر بصدام بين مسلمين ومسلمين آخرين، حيث تكون طريقة الانتقاد غير مقنعة. وتقدم مثالا آخر على ذلك بدارفور قائلة إنه رغم أنه تجري إبادة شعب مسلم، فإن معارضة هذه الإبادة غائبة في العالم الإسلامي وهو أمر يعززه غياب تغطية شاملة على قنوات التلفزيون العربية والآسيوية. |
وتواصل بوتو رؤيتها مشيرة إلى جوانب أخرى مما تراه ازدواجية في مواقف العالم الإسلامي فتقول انه فيما نبدو معتادين على المعلومات التي تتدفق من الغرب ومن مراكز الأبحاث فيه، فإننا نبدي احتقارا وعداء لهذا الغرب وبشكل خاص الولايات المتحدة، وهنا يتم تقديم الحرب على العراق باعتبارها أحد أسباب هذا العداء وكذلك الموقف في فلسطين، فضلا عن انتقاد ما نعتبره قيما غربية فاسدة. |
والخلاصة وفقا لها، أننا نميل إلى التفسير الأكثر سهولة بلوم الآخرين على مشاكلنا أكثر من قبولنا بالمسؤولية عن هذه المشاكل. |
ولعل طرح بوتو للأمر على هذا النحو يثير التساؤل حول المنظور الذي تنظر من خلاله إلى طبيعة الأوضاع في العالم الإسلامي، ولعل أبسط ما يقال في هذا الصدد إنه لا يمكن إعفاء الغرب تماما من جانب كبير من المشاكل التي يعانيها المسلمون وان الموقف الإسلامي الرافض لما جرى في العراق على يد الولايات المتحدة إنما يعد مبررا ولا يمكن أن يكون مجالا للانتقاد. |
ولعل ذلك ما يدفع بوتو إلى التراجع بعد ذلك في سطور تالية حيث تؤكد، مع بعض التحفظات، التأثير السلبي للخبرة الاستعمارية على المسلمين سواء لجهة استغلال مواردهم أو عمليات الخضوع السياسي وهو ما أثر، حسبها، على اتجاهات المسلمين تجاه الغرب وتجاه أنفسهم. وهنا تتحفظ قائلة: لا يشك أحد في أن سجل الغرب في أغلب الدول الإسلامية غير جميل أو جذاب، ولكن ما فعله الخارج - الاستعمار - في الماضي لا يمكن أن يكون هو السبب الأساسي لما يواجهه المسلمون اليوم. |
عرض ومناقشة: مصطفى عبدالرازقالبيان الامراتيه