تختتم بنازير بوتو كتابها بعرض ما يمكن وصفه بخارطة طريق للمصالحة بين الإسلام والغرب من خلال تقديم مجموعة من الاقتراحات والرؤى التي ترى أن تحقيقها يمكن أن يساهم في تخفيف التوتر بين الجانبين من أجل عالم أكثر سلاما. وترى أن ذلك يتطلب جهدا مكثفا من الجانبين، أي على صعيد العالم الإسلامي وعلى صعيد الغرب، وإن كان قدر أكبر من الأعباء يقع على عاتق هذا الأخير لتحقيق المزيد من التفاهم على طريق المصالحة، التي تؤكد أنها هدف قابل للتحقيق. |
من المشكلة التي تحتل مرتبة متقدمة في تفكيرها وهى العنف في ضوء ما تراه من أن بلادها أصبحت مركزا محوريا على مستوى العالم لمواجهة هذه المشكلة التي تعايشها جراء مجاورتها لأفغانستان وما يتردد عن انتشار تنظيمات متشددة في منطقة الحدود بين الدولتين تنتقل بوتو إلى الإشارة إلى أن تلك المشكلة مصطنعة على صعيد العالم الإسلامي وأنه لا يوجد لها أصول في الإسلام.
وهي تعرب عن اعتقادها بأنه يوجد سوء فهم كبير لدى غير المسلمين بشأن نسبة العنف إلى الإسلام بسبب الرؤية المغلوطة لمعنى مصطلح «الجهاد»، ولأن أعمال الإرهابيين الإجرامية تنسب من قبل البعض إلى هذا المفهوم، وهو ما جعل معظم العالم بالفعل يعتقد أن الإرهابيين يعكسون ما يطلق عليه حرب الإسلام ضد بقية الإنسانية، وهو الإدراك الذي يجب التصدي له على الفور.
في هذا الصدد تشير بوتو إلى أن البعض في أرجاء مختلفة يعتقدون أن كلمة جهاد تعني الحرب ولكن ذلك ليس هو الحقيقة. وتذكر أنها عندما كانت طفلة تعلمت أن الجهاد يعني الكفاح من أجل إتباع الطريق القويم، المسعى الأساسي من أجل العمل بما هو صحيح وتجنب ما هو ممنوع. جذور المفهوم: إن أهمية الجهاد جاءت من الأمر القرآني بالكفاح ـ وهذا هو المعنى الحرفي لكلمة الجهاد ـ في سبيل الله اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الأوائل.
وتشير بوتو إلى أنه رغم ذلك يبدو أن هناك بعض المسلمين اليوم يعتقدون أن ظروف عالمهم تتطلب الجهاد بمعنى خوض مواجهات عسكرية، وتشير إلى أن هؤلاء ينظرون حولهم ويرون عالما تهيمن عليه حكومات قمعية ونخبة تحتكر الثروات وأقلية تهتم برخائها الاقتصادي أكثر من التنمية القومية. |
وفي الوقت ذاته فإن هؤلاء يرون عالما يتسم بهيمنة غربية على مقدراته، سواء لجهة الملبس أو الموسيقى أو التليفزيون والسينما، في الوقت ذاته الذي تسود فيه النظرة إلى الحكومات الغربية على أنها تساند الأنظمة القمعية وتستغل العالم الإسلامي على المستوى الإنساني والمصادر الطبيعية وتختطف المسلمين من ثقافتهم، وأنه بناء على هذا فإن من حقهم أن يحكموا أنفسهم طبقا لاختيارهم وأن يعيشوا في مجتمع عادل. |
لقد كان من جراء ذلك، حسب بوتو، أن مجموعة صغيرة من المسلمين التحقت بالجهاد الأفغاني الدفاعي في الثمانينات ضد الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، واعتقد المنخرطون فيها أنهم هزموا قوة عظمى ويمكنهم أن يهزموا قوة أخرى. وقد خططوا أن ينقلوا حربهم من أجل محاربة الغرب سواء في أفغانستان أو باكستان مستخدمين الهجمات ضد المدنيين المسلمين وغير المسلمين، على نحو يرون أنه يمكن أن يسهم إلى حد كبير في تحرير المسلمين من الهيمنة الغربية. تشير بوتو إلى خطأ مفهوم الجهاد الذي تبنته هذه الجماعات،مؤكدة ضرورة إيضاح المعنى الحقيقي له، وأن الجهاد الذي يتضمن خوض صراع مسلح يجب أن يتم تقييده بمقاييس الحرب العادلة. |
وتشير إلى أنه في تاريخ الإسلام توجد رؤيتان مختلفتان بشأن مصطلح الجهاد، الأولى تدور حول جهاد النفس عن طريق العمل على أن يكون الإنسان أفضل حالا، ومقاومة الإغراءات، وهذا، حسب تصور بوتو، الكفاح الذي يتركز على استئصال الطبائع الشخصية السيئة مثل الطمع وهذا هو الجهاد الأعظم . أما النوع الثاني من الجهاد فهو الجهاد وقت الحرب وتشير إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث شهير، عندما رجع من إحدى المعارك: «عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، وعلى ذلك تشير إلى أن الجهاد كفاح لا يتسم بالعنف على نحو يجعلنا الأفضل وهو أكثر أهمية بكثير من الجهاد الأصغر. |
هنا تتطرق المؤلفة إلى جوانب بالغة الدقة بشأن مفهوم الجهاد من خلال تفاصيل شرعية وفقهية وأخرى تتعلق بتفسير القرآن، مشيرة إلى تطور مفهوم الجهاد مع تطور الرسالة الإسلامية وأنه على هذا الأساس ومن واقع ما عاشته مسيرة الدعوة في بدايتها - تفصل بوتو القول هنا باعتبار كتابها موجها للقارئ الغربي ـ فإن مصطلح الجهاد اتخذ مفهوما دفاعيا، وأنه بعد تأسيس مجتمع المدينة والدخول في حروب مع الكفار فإن القرآن شدد على الحرب العادلة، مضيفة أن الحرب مبررة طالما كانت دفاعية. |
وفي محاولة لمخاطبة العقلية الغربية والإشارة إلى خطأ فهم الجهاد وفق الرؤية التي تسود لدى الكثير من الجماعات هناك على أنه القتل والعنف، وهى الصورة التي تحاول الكثير من وسائل الإعلام الغربية الترويج لها على نحو أساء لصورة الإسلام كثيرا، تشير بوتو إلى أن الجهاد ليس أحد أركان الإسلام الخمسة وهو ما يعكس، حسب رؤيتها، مستوى الأهمية الدينية لمفهوم الحرب العادلة في الإسلام. |
والخلاصة التي تنتهي إليها بوتو في معرض دفاعها عن الإسلام ومحاولات البعض في الغرب تشويه مفهوم الجهاد، أن الحرب في الإسلام، يمكن أن تبرر عند الضرورة، ولكنها لا ينظر إليها على أنها واجب ديني متواصل كما تذهب مصادر غربية ليست على دراية حقيقية بأسس الإسلام. |
وتشير إلى أنه رغم حث الإسلام على الشهادة إلا أن القرآن يؤكد على أن الحياة تحتل مكانة محورية. وتشير أيضا إلى أن المشرعين في الإسلام طوروا مبادئ شرعية بمقتضاها تتم إدانة من يقومون بإجراءات تشكل خروجا على الجماعة والذين يمكن تسويتهم بالإرهابيين في عالم اليوم. وتخلص من ذلك إلى التأكيد على أنه لا يوجد إرهاب جيد وإرهاب سيء. |
هنا تحاول المؤلفة نسبة أفكار عدد من التنظيمات المتشددة إلى أحمد بن تيمية مشيرة إلى ما تراه اقتباسا من أفكار هذا الأخير وكذا أفكار أبي الأعلى المودودي مؤسس الجماعة الإسلامية في باكستان وكذا سيد قطب واستخدامه مفهوم «المجتمع الجاهلي» لوصف العالم الحديث. وتقول بوتو: أن من يتبنون هذه الأفكار ينظرون إلى الغرب على أنه يفسد العالم الإسلامي وهم في ذلك يستخدمون تفسيرات خاطئة للقرآن في تبرير أفعالهم . |
وتقول إن مشكلة اختطاف المتعصبين الدين، من أجل تحقيق مصالحهم الخاصة ليست قاصرة على الإسلام. وفي سياق دفاعها عن الإسلام تضيف بوتو أن البعض قد يتساءل عن صحة اعتماد المسلم على النصوص الدينية من أجل تفسير أوضاع عالمه الحديث، مؤكدة أن ذلك أمر مقبول بالنسبة لكافة الأديان، فالعهد القديم والعهد الجديد والقرآن ليست نصوصا معنية فقط بوقتها بل هي لكل الأزمان، وهو ما يعني أنها مرشدة عبر الأجيال وعلى مدار العصور. |
وهنا تشير بوتو إلى أنه بالنسبة لما يثيره الكثيرون بخصوص توافق الإسلام على وجه الخصوص مع التطورات الحديثة فإن هناك علماء يقومون بمهمة الاجتهاد لاستنباط الأحكام في ضوء التطور الإنساني. وفي إشارة إلى قبول الإسلام للتعددية تذكر أن القرآن الكريم ذاته يؤكد ذلك المبدأ القائم على التنوع الإنساني حيث خلق البشر في مجتمعات وديانات شتى وسوف يبقون ذلك ما بقيت الأرض وفي ذلك يقول الله تعالي: «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة» وكذلك قوله تعالى: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين». |
وتشير كذلك إلى تأكيد الإسلام على حرية العقيدة الدينية وأنه لا يجب فرض دين معين على البشر، مؤكدة أن فرض عقيدة بعينها يتناقض مع القرآن الكريم الذي يقرر أنه لا إكراه في الدين، مستشهدة بتجارب تاريخية عديدة تعايش فيها أصحاب الديانات الأخرى في سلام في إطار الحكم الإسلامي. |
عرض ومناقشة: مصطفى عبدالرازق البيان الامراتيه