بوتو: مشرف أقر لي بأن القضايا التي سجلت ضدي دوافعها سياسية
من تناول القضايا المتعلقة بالديمقراطية في الرؤية الغربية وتطبيقاتها ومشكلاتها على صعيد العالم الإسلامي تنتقل المؤلفة بنازير بوتو إلى التطبيق على باكستان كحالة للدراسة بالتفصيل على النحو الذي يعزز أو يقوض المقولات التي طرحتها في سياق تناولها للقضية في إطارها الأعم.
وهنا تحمل المؤلفة بشدة على النظام القائم في باكستان، وهو ما يجب وضعه في سياقه لجهة وجود خصومة سياسية بين الطرفين على النحو الذي قد يبالغ معه طرف في تشويه صورة الآخر أو قد يبتعد معه عن الموضوعية وتبدو الطبيعة الذاتية للحكم على الأمور. من الوهلة الأولى تقدم بوتو تقييما سلبيا للأوضاع في باكستان فتشير إلى أنه بعد نحو 60 عاما من قيامها فإن 3 نوفمبر 2007 سيظل يذكر في التاريخ باعتباره أسود يوم في تاريخ ذلك البلد حيث حدث خلاله ما يمكن اعتباره انقلابا آخر من قبل نظام مشرف تم بمقتضاه القضاء على كل مظاهر التحول إلى الديمقراطية في البلاد.
فقد تم وقف العمل بالدستور وألقي القبض على المئات من مسؤولي الأحزاب وناشطي حقوق الإنسان والمحامين والقضاة والصحافيين. كما تم تعليق نشاط محطة تلفزيون مستقلة والتضييق على الصحافة المطبوعة التي تنتقد نظام حكمه العسكري. والخلاصة أن هذا اليوم كان يوما أسود لباكستان وللديمقراطية ولأكثر من مليار مسلم حول العالم الذين ينظرون إلى باكستان على أنها نموذج للاعتدال والتقدم والديمقراطية.
مسيرة ما بعد الاستقلال
في محاولة لوضع القارئ في صورة ما يجري في باكستان اليوم تقدم له صورة مفصلة بشأن تطور الأوضاع في الدولة منذ الاستقلال وحتى اليوم على نحو يمكن للقارئ معه تفهم مسيرة تلك الدولة بشكل جيد ويتفهم الأسس التي قامت عليها والظروف السياسية التي أحاطت بالنشأة وغير ذلك من قضايا. |
وما يهمنا في هذا الاستعراض هو الفترة المعاصرة التي تتعلق بالتفاعلات التي كانت بوتو طرفا فيها، وهي الإضافة التي يقدمها الكتاب باعتبار يسر القيام على مهمة التأريخ لتطور باكستان من قبل آخرين، وفي الوقت ذاته كون بوتو تقدم لنا من خلال هذا الاستعراض تجربتها الخاصة ورؤيتها لهذه التجربة على النحو الذي يصعب الحصول عليه من قبل أي مصدر آخر، فضلا عما يسهم فيه هذا التقديم من مساعدتنا على فهم الكثير مما يجري في باكستان هذه الأيام، بغض النظر عن الموقف مما تعرض له بوتو وهو في أغلبه يشير عن حق إلى الأبعاد الحقيقية للأزمة التي تعيشها باكستان. |
وقبل أن نستطرد في تقديم هذا الجانب نشير إلى ما يمكن اعتباره جوانب اضطراب في إعداد مادة الكتاب، فمن خلال الفصل الذي نعرض له وهو الفصل الرابع والذي يتناول الحالة الباكستانية كحالة خاصة للدراسة من بين تجارب العالم الإسلامي، يلمس القارئ تكرارا وتداخلا على نحو يثير الدهشة مع الفصل الأول والذي عرضت بوتو خلاله تفاصيل تجربة العودة. ما يلفت النظر أكثر هو تكرار بعض العبارات والجمل في الفصل ذاته ـ الرابع ـ دون أن يفصل بين هذه العبارات المتكررة سوى صفحة واحدة أو صفحتين، وهو ما نفسره بالظروف التي أحاطت بصدور الكتاب. |
بقي أن نشير إلى أن بوتو تضيف بعض الجوانب بشأن حادث التفجير الذي صاحب عودتها لم تتطرق إليها بالتفصيل في الفصل الأول نشير إليها لأهميتها. أولى هذه التفصيلات تتعلق بطبيعة من كانوا يخططون لمحاولة اغتيالها، وفي هذا الصدد تذكر الأسماء بعد أن كانت قد أشارت إليهم في المجمل وهم بيت الله مسعود أحد زعماء طالبان، وحمزة بن لادن بن أسامة بن لادن ومتشددو المسجد الأحمر، وجماعة أخرى من المتشددين تتخذ من كراتشي مقرا لها. أما ثاني هذه التفاصيل المهمة فتتمثل في شرح ملابسات التفجير والطريقة التي تم بها أحدها، وذلك من خلال طفل مفخخ. |
في معرض التوضيح تشير بوتو إلى انه خلال الموكب شاهدت رجلا يحمل طفلا يقدر عمره بعامين تقريبا وقد ارتدى الطفل ملابس ملونة بألوان علم حزب الشعب الباكستاني. وقد راح الرجل يشير إليها بأن تأخذ الطفل، فأشارت هي بدورها للمحتشدين بأن يفسحوا الطريق للرجل، ولكن الرجل حاول أن يسلم الطفل إلى شخص ما في الحشد وبعد حالة من الصخب راح رجل الشرطة يدعو إلى عدم اخذ الطفل وسط شكوك بأنه قد يكون يحمل قنبلة متفجرة وفيما الرجل يتشاجر مع البوليس حدث الانفجار لقي على إثره كل من كان في العربة القريبة حتفه وبعدها بنحو خمسين ثانية تم تفجير سيارة مفخخة. |
تذكر بوتو أنه فيما بعد تم اطلاعها بشأن اجتماع تم في لاهور جرى خلاله التخطيط للتفجيرات، وطبقا للتقرير فإن ثلاثة رجال من جماعة سياسية منافسة تم استخدامهم مقابل نصف مليون دولار، وقد كان أحدهم طبقا لمصادرها يسمى إجاز والآخر ساجاد فيما نسيت اسم الثالث.، وقد لقي أحدهم حتفه في التفجيرات التي جرت لدى عودة بوتو ومن المرجح أنه الذي كان يحمل الطفل المفخخ نظرا لعدم تمكنه من الخروج بسرعة إثر الانفجار. |
من هذا الجانب تنتقل بوتو إلى الحديث عن النظام الباكستاني، مشيرة إلى أن التشدد هناك بدأ مع ديكتاتورية العسكر ممثلة في ضياء الحق، وأن هذا التشدد ترعرع في ظل نظام مشرف. وبغض النظر عن الخوض في توصيف هذا التشدد والموقف منه إلا أنه يمكن القول إن تحليل بوتو صحيح بشكل جزئي، نظرا لطبيعة الرئيس مشرف صاحب التوجهات العلمانية على نحو من الصعب معه القول بأنه يرعى التشدد، إن لم يكن على العكس يمكن ضمه إلى قائمة المحاربين لذلك التشدد، وهو ما سيتبدى في موقفه على سبيل المثال في حادث المسجد الأحمر كما في لقاء له مع بوتو على نحو ما سنعرض له في سطور مقبلة. |
لا يعني ذلك إخلاء مسؤولية نظام مشرف بالكامل في ضوء أن بعض فصائل نظامه الذي ورثه دون أن يكون هو الوحيد الذي صاغ أسس هذا النظام. من ناحية ثالثة، فإن بوتو، وفيما يجعل حكمها يتصف بالشخصنة تتغافل رغم استعراضها ومعرفتها على نحو يفوق معرفة كثيرين آخرين بأن باكستان إنما قامت في جانب كبير منها على أساس ديني ما جعل من الهوية الدينية أحد أسس تعريف الشخصية الباكستانية. |
وفي معرض التأكيد على الطبيعة الديكتاتورية التي يتسم بها نظام مشرف تذكر بوتو أنه عندما دعا حزبها إلى مسيرة احتجاجية في 9 نوفمبر 2007 ألقي القبض على أكثر من 5 آلاف شخص من المنتمين إلى حزب الشعب ووضعها قيد الإقامة الجبرية. وعندما أعلن الحزب مسيرة ضخمة من 13 نوفمبر إلى 17 نوفمبر عبر البنجاب فقد ألقي القبض عليها مرة ثانية وكذلك نحو 18 ألفا من أنصارها عبر باكستان الذين كانوا يعملون على أن يبينوا للعالم أن الديمقراطية ما زالت حية في باكستان حتى في ظل الحصار من قبل ديكتاتور عسكري. |
وتضيف بوتو أنه كان هناك أمل في أن يكون عام 2007 عام التقدم والتحول إلى الديمقراطية التي تنتهي إلى انتخابات نزيهة وحرة في نهاية العام، وفي بعض الأوقات - تقول بوتو - اعتقدنا بأننا قد حققنا تقدما بالفعل، فالأحزاب السياسية التي حاول النظام خنقها لم تمت بل ازدادت قوتها. |
والمجتمع المدني كانت تزداد استقلاليته على نحو كبير والصحافة وبشكل خاص التلفزيون الخاص كان يسمح بالظهور لقادة المعارضة على خلاف التلفزيون الذي تسيطر عليه الدولة. وبالتبعية فإن شعبيتهم كانت تزداد على نحو سريع. كما بدا الغرب يفقد صبره بشأن طريقة تعاطي مشرف ضد الإرهاب. |
لقد كان من جراء هذه التطورات أن فتح الجنرال مشرف، حسب بوتو، وأحد عيونه على الانتخابات المقبلة قنوات مع ممثلي حزب الشعب والرابطة الإسلامية التي يترأسها نواز شريف. لقد كان في حاجة ليبين أنه لديه قاعدة سياسية واسعة في باكستان. |
تكشف بوتو عن انه كان هناك حوار بين حزب الشعب ونظام مشرف منذ البداية المبكرة لحكمه. هذه المفاوضات حسبما تذكر كان مصيرها الفشل في كل مرة بسبب إصرار بوتو على ما تصفه بخريطة طريق للديمقراطية. ومع فشل لكل جولة كانت تبدأ دورة جديدة من الاضطهاد لبوتو وأنصارها. وهنا تكشف عن أنها طلب منها عام 2001 أن تعتزل السياسة مقابل الإفراج عن زوجها وإسقاط كل التهم ضدهم ولكنها رفضت. |
وفي تكثيف للضغوط عليها بشأن هذا الأمر تذكر أنها في 2002 تلقت مكالمة من زوجها آصف في منزل ابن عمها البروفيسور أحمد اصبهاني في كاليفورنيا. وقد كان مسؤولون كبار من المخابرات الباكستانية يجلسون مع آصف. |
وكان العرض أنها إذا ما وافقت على أن تعتزل السياسة لمدة عشر سنوات، حسبما قال لها، فإنه يمكن أن يفرج عنه وسيتم التسامح معها على كافة المستويات. غير أن بوتو رفضت ذلك مؤكدة أنها لم تكن تستطيع عمل ذلك. تقول بوتو: إنها كانت تفكر في والدها وكيف أنه رفض التخلي عن شعبه من أجل حياته. |
في عام 2004 تدخل بعض أصدقاء بوتو وتم الإفراج عن زوجها بلا شروط. تقول: كنا نأمل أن يسمح لنا ذلك بأن يخفف حدة التوتر السياسي في البلاد، ولكن ذلك لم يتحقق، وعندما عاد زوجها إلى باكستان بعد زيارته أعيد القبض عليه عدة مرات وإطلاق سراحه. كما كان يتم إلقاء القبض كذلك على أنصار حزب الشعب وإطلاق سراحهم ثم القبض عليهم مرة ثانية. |
وتعرض لنا بوتو جانبا آخر من جهودها لتوفير الأجواء التي تراها مناسبة من أجل تعزيز الديمقراطية فتشير إلى أنها كانت تضغط لتحقيق ذلك من خلال تحركات على المستوى الدولي ومن أجل عودة آمنة لها إلى باكستان، في ذات الوقت الذي كان فيه حزبها يعمل على هذه القضايا في الداخل الباكستاني. |
وقد تزايد السؤال بشأن كيف يمكن أن يتحقق هذا التحول إلى الديمقراطية على نحو هادئ في ظل كون الجنرال مشرف عنصرا أساسيا في الحرب على الإرهاب، على نحو يتطلب رضاءه عن هذا التحول الذي يبدو أنه يرفضه وفق سياق رواية بوتو؟ |
بالنسبة لحزب الشعب الباكستاني فقد كان من مطالبه الأساسية تخلي مشرف عن قيادة الجيش وفي ذلك تشير بوتو إلى أن الحزب ناضل على الدوام ضد الديكتاتورية العسكرية وأنه لذلك كان من المستحيل على الحزب التصالح مع الرئيس الذي يعد أيضا رئيسا للجيش. |
تقول بوتو إنها رفضت لقاء مبعوثي مشرف الذين كانوا يصرون على شروط في كل مرة ولكنهم في النهاية أسقطوا شروطهم وإن رفضت لقاءهم بدون أن يهاتفها مشرف لكي يؤكد لها أنهم لديهم التفويض منه بذلك. كانت بوتو في نيويورك في أغسطس 2006 عندما طلبها الجنرال مشرف. |
وقد ذكر لها أنه يريد من القوى المعتدلة أن تعمل سويا، وطلب منها المساندة بشأن قائمة تتعلق بحقوق المرأة وتم الاتفاق على أن يلتقي بها فريق يمثل مشرف يضم مدير الاستخبارات الذي تذكر بوتو أنه أصبح الآن من الأقوياء في النظام ومستشار الأمن القومي. |
وقد تم اتخاذ خطوة على طريق تعزيز الثقة بين الجانبين في أغسطس 2006. غير أنه وللتغلب على أية شكوك بين الطرفين اقترحت بوتو محادثات مباشرة معتقدة أنه إذا ما التقاها مشرف فإن ذلك سيبين على نحو صلب بأنه يريد مراجعة موقفه المعلن بأنه لا يوجد لها مكان في الساحة السياسية الباكستانية. |
عرض ومناقشة: مصطفى عبدالرازق