الخطة داليت» الصهيونية تحسم مصير مليون فلسطيني
تأليف :إيلان بابه
ينتقل المؤلف هنا إلى متابعة التفاصيل الدقيقة لتنفيذ الخطة الصهيونية للتطهير العرقي الشامل في فلسطين التي عرفت باسم «الخطة داليت»، ويقول إنها حسمت مصير مليون فلسطيني، حيث اعتبر القادة الإسرائيليون أن عمليات التطهير العرقي هي أداة الحركة الرئيسية لديهم، وخاصة على طريق تل أبيب ـ القدس، وشملت هذه الخطة، ضمن أهدافها العديدة، القضاء على جميع سكان القرى الفلسطينية التي تشغل مواقع استراتيجية أو يتوقع أن يبدي أهلها نوعا من المقاومة.
وكان جوهر الخطة هو طرد سكان جميع القرى في الريف الفلسطيني، عبر إحراقها وبث الألغام حولها وقتل سكانها، وهو السيناريو الذي تم تنفيذه حرفيا في غالب الأحوال. بدأ الصهاينة في وضع اللمسات الأخيرة على ما أسموه «الخطة داليت» التي تحدد الوسائل المتبعة للتطهير العرقي لفلسطين، واجتمعت اللجنة الاستشارية الصهيونية لمناقشة مسودة الخطة، وقد انتهى إعدادها في الأيام الأولى من شهر مارس1948. ويزعم بعض المؤرخين الرسميين الإسرائيليين أن ذلك الشهر كان أصعب فترات الحرب، ولكن مؤلف الكتاب يرى أن ذلك التقويم يستند فقط إلى جانب واحد مما تكشف عنه الصراع، وهو أن هجمات جيش التحرير العربي على القوافل اليهودية المتجهة إلى المستوطنات اليهودية المنعزلة في بدايات الشهر كانت مؤثرة نسبيا، فضلا عن أن بعض ضباط ذلك الجيش آنذاك حاولوا الانتقام من الهجمات اليهودية المتواصلة على المدن مختلطة السكان، والرد عليها بإثارة الذعر في المناطق اليهودية عن طريق شن غارات صغيرة.ويقول المؤلف إن مثل هذه الهجمات أعطت انطباعا زائفا بأن جيش التحرير العربي قد يكون قادرا على إظهار بعض المقاومة في وجه محاولات السيطرة اليهودية. ولم تكن القوات اليهودية آنذاك منظمة بشكل جيد يكفيها للرد على الفور وبنجاح على كل هجوم مضاد. والحقيقة هي أن الجهد العسكري الفلسطيني كان قصير العمر وبدأ في مراحله الأخيرة في شهر مارس 1948. وعندما عادت اللجنة الاستشارية إلى الاجتماع من جديد في ذلك الشهر لم يلتفت أعضاؤها إلى هجمات الجيش العربي المضادة، ولم يهتموا كثيرا بالموقف العام، وانشغلوا بالخطة الرئيسية النهائية، فاقترح بعضهم الاستمرار في عمليات التطهير العرقي باعتبارها أنجع الوسائل لحماية الطرق المؤدية إلى المستوطنات المنعزلة، وأولوا اهتماما خاصا لطريق تل أبيب ـ القدس. ثم قامت وحدة الاستخبارات التابعة لعصابة الهاغاناه بوضع تفاصيل الخطة داليت.
وقد تضمنت المسودة إشارات مباشرة للمساحات الجغرافية للدولة اليهودية المستقبلية ولمصير مليون فلسطيني يعيشون عليها، وشرحت المسودة بعض وسائل التطهير العرقي على الوجه التالي: «يمكن تنفيذ العمليات بالأسلوب التالي: إما بتدمير القرى وذلك بإشعال النار فيها أو بقصفها بالقنابل، وزراعة الألغام في أنقاضها، وخاصة في تلك المراكز السكانية التي تصعب السيطرة الدائمة عليها، أو بعمليات تمشيط وحصار وفقا للتعليمات التالية: تطويق القرى وإجراء حملات تفتيش داخلها وفي حالة وجود مقاومة يجب إبادة القوة المسلحة إبادة تامة وطرد السكان إلى خارج حدود الدولة.
ويذكر مؤلف الكتاب أن سبب نفي جميع سكان القرى الفلسطينية هو إما أن تلك القرى تشغل مواقع استراتيجية، أو أن المتوقع أن يبدي أهلها نوعا ما من المقاومة. تلك كانت الخطة الرئيسية لطرد جميع القرى في الريف الفلسطيني. وقد صدرت تعليمات مماثلة بشأن العمليات الموجهة ضد المراكز الحضرية الفلسطينية.
حصيلة وحشية
كانت الأوامر الصادرة إلى الوحدات تتضمن تفاصيل أكثر تحديدا، فنجد مثلا أن البلاد قسمت إلى مناطق وفقا لعدد الكتائب، حيث تم تقسيم الألوية الرئيسية الأربعة لعصابة الهاغاناه إلى اثنتي عشرة كتيبة لتسهيل تنفيذ الخطة، وتسلم قائد كل منها قائمة بالقرى أو الضواحي التي ينبغي احتلالها وتدميرها ونفي أهاليها، مع تحديد دقيق للتواريخ إلا أن بعض القادة أضافوا مواقع أخرى.
كما ثبت استحالة تنفيذ الخطة في عدد من القرى وفقا للإطار الزمني المطلوب ومؤدى ذلك أن بعض القرى الساحلية المقرر احتلالها في شهر مايو لم تدمر حتى شهر يوليو، كذلك وجدت الهجمات الصهيونية المتكررة صمودا فلسطينيا في قرى بمنطقة وادي آرا الذي يصل الساحل بمرج ابن عامر والعفولة، ولكنها كانت استثناء إذ ان ما تم في المحصلة النهائية هو تدمير 531 قرية و11 ضاحية وبلدة حضرية وطرد سكانها بأوامر مباشرة من اللجنة الاستشارية في مارس 1948 وكانت ثلاثون قرية قد تم محوها آنذاك.
وبعد أيام قلائل وزعت الخطة داليت على قادة الكتائب الاثنتي عشرة التابعة للهاغاناه، ومع كل قائمة وصف تفصيلي للقرى ضحية عملية كل قائد منهم ولمصيرها المقرر: الاحتلال، والتدمير، والطرد. وتفيد وثائق جيش الدفاع الإسرائيلي، التي أفرج عن ملفاتها في أواخر التسعينات، أن الخطة التي وزعت على قادة الكتائب كانت عبارة عن أوامر واضحة ومحددة بشن هجمات عملياتية، وليست مجرد إرشادات غامضة كما زعم بعض المؤرخين الصهاينة.
وعلى عكس المسودة العامة التي أرسلت إلى القادة السياسيين، لم تتضمن قوائم القرى الخاصة بالعسكريين شرحا لكيفية تنفيذ عمليات التدمير أو الطرد، ولا لكيفية إنقاذ القرويين لأنفسهم مثل استسلامهم دون قيد أو شرط وهو الوعد الذي جاء في الوثيقة العامة.
وهناك أيضاً اختلاف بين المسودة المرسلة إلى السياسيين والخطة التي سلمت للقادة العسكريين إذ تذكر المسودة الرسمية أن الخطة سوف تنفذ بعد انتهاء الانتداب البريطاني، أما العسكريون الميدانيون فقد تلقوا الأوامر بالتنفيذ خلال أيام قليلة من اعتمادها.
ويذكر الدكتور إيلان بابه أن هذه الازدواجية هي طابع العلاقة القائمة في إسرائيل بين الجيش والسياسيين حتى يومنا هذا، ويقوم الجيش دائما بتزويد السياسيين بمعلومات مغلوطة عن نواياه الحقيقية، وقد فعل موشى دايان ذلك في عام 1956، وارييل شارون عام 1982، وشاؤول موفاز عام 2000.