وكان الشيء المشترك بين نسخة السياسيين والأوامر العسكرية هو الهدف العام من الخطة حتى ان القوات كانت تعرف مسبقا بما هو مطلوب منها قبل وصول الأوامر المباشرة إلى الميدان. ويستشهد مؤلف الكتاب بمدافعة عن حقوق الإنسان يصفها بالشجاعة وهي شولاميت ألوني التي كانت ضابطا بالجيش آنذاك والتي تتذكر كيف كان الضباط السياسيون يأتون إلى القوات لتحريض الجنود وتصوير الفلسطينيين بأنهم شياطين، كما يستغلون الهولوكوست مبررا للعمليات المقبلة.
ويحدث ذلك دائما في اليوم التالي لتلقينهم الأوامر العسكرية، وبعد موافقة اللجنة الاستشارية على خطة داليت استدعى إيغال يادين نائب رئيس الأركان جميع ضباط الاستخبارات إلى اجتماع في مبنى طبي، ولكنه لم يخبرهم بشئ عن الخطة لأن أوامر تنفيذها كانت قد وجهت إلى قادة وحداتهم في ذلك الوقت. وقدم يادين للمجتمعين فكرة عامة تهدف إلى إزالة أي شك يراودهم حول قدرة القوات على تنفيذ الخطة. وكان ضباط الاستخبارات يُعتبرون ضباطا سياسيين إلى حد ما مثل مفوضي الحزب الشيوعي.
وقد أدرك يادين الحاجة إلى تفسير الفجوة بين التصريحات العامة للقيادة التي تروج لفكرة تعرض اليهود «لهولوكوست ثانية» وشيكة، وبين الحقيقة التي تؤكد أن القوات اليهودية لا تواجه تحديا حقيقيا في المناطق المقصودة لإخلائها من سكانها وضمها إلى الدولة اليهودية. ويصف المؤرخون الإسرائيليون الرسميون الشهر التالي، وهو ابريل 1948 بأنه نقطة تحول.
وطبقا لرؤيتهم تلك فإن المجتمع اليهودي المعزول والمهدد في فلسطين كان يتحرك من موقع الدفاع إلى الهجوم، ولكن مؤلف الكتاب يرى أن حقيقة الموقف تختلف اختلافا كبيرا فقد كان التوازن العسكري والسياسي والاقتصادي بين الفلسطينيين واليهود يوضح أن أغلبية اليهود لم يتعرضوا للخطر على الإطلاق فضلا أن جيشهم كان قد أصبح قادرا تماما على إكمال المرحلة الأولى للتطهير العرقي في فلسطين بين ديسمبر 1947 ومارس 1948 حتى قبل تنفيذ الخطة الرئيسية.
وإذا كانت هناك نقطة تحول في شهر ابريل فهي عملية الانتقال من مرحلة الهجمات والهجمات المضادة المتفرقة على السكان الفلسطينيين إلى مرحلة عمليات التطهير العرقي الكبرى والمنهجية التي تلت ذلك. وينتقل الدكتور بابه في الفصل الخامس من كتابه إلى تناول تفاصيل خطة التطهير العرقي وبعض الأحداث التي ترتبت على اعتماد الخطة الجهنمية التي سميت «الخطة داليت».
ويبدو أن كلمة «داليت» العبرية هي التي تقابل الحرف «D» بالإنجليزية. ويقول صاحب الكتاب إن الذين كانوا يقومون بإعداد وتحرير يوميات دافيد بن غوريون أصابتهم الدهشة عندما اكتشفوا بين أول ابريل و15 مايو 1948 أن الزعيم اليهودي يتغاضى عن الجوانب العسكرية للأحداث، وبدا أكثر اهتماما بالسياسات الصهيونية المحلية، وتعامل بتركيز شديد مع الموضوعات التنظيمية.
ولم تكشف يومياته عن وجود أي إحساس بقدوم كارثة أو «هولوكوست ثانية» مثلما كان يفعل في نشاطه العام لكي يثير شفقة مستمعيه. كذلك كان يتحدث بلغة مختلفة في الدوائر القريبة منه. وفي لقائه بأعضاء حزبه (الماباي) في بدايات ابريل كان يتفاخر بسرد قائمة بأسماء القرى العربية التي احتلتها القوات اليهودية مؤخرا.
وفي مناسبة أخرى في 6 ابريل نجده يوبخ أعضاء المجلس التنفيذي للهستدروت ذوي الميول الاشتراكية الذين أبدوا شكوكا في الحكمة من شن هجمات على الفلاحين بدلا من مواجهة ملاك الأراضي أو الافندية كما وصفوهم. وانبرى لهم بن غوريون قائلا لواحد منهم: «لا أوافقك على مواجهة الافندية لا الفلاحين. إن أعداءنا هم الفلاحون العرب».
القدس مدينة أشباح
يؤكد مؤلف الكتاب، الذي يعتمد في رأيه على مذكرات ويوميات بن غوريون، أن تلك اليوميات لا تحتوي في الحقيقة على أي شئ مشابه للخوف الذي زرعه في نفوس جمهوره خلال التجمعات العامة، وفي الذاكرة الإسرائيلية الجماعية بالتالي. وتشير اليوميات إلى أنه كان قد تحقق آنذاك أن فلسطين أصبحت في قبضته ومع ذلك لم يكن مبالغا في الاطمئنان ولم ينضم إلى احتفالات يوم 15 مايو 1948 وكان يدرك ضخامة العمل الذي ينتظره وهو تطهير فلسطين عرقيا والتأكد من أن المحاولات العربية لن توقف السيطرة اليهودية.
وعندما بدأ تنفيذ خطة داليت كان لدى الهاغاناه ما يزيد على 50 ألف مقاتل تلقى نصفهم تدريبا على يد الجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية. بعد ذلك يتعرض الكتاب لبعض جرائم الإبادة والتطهير العرقي في بعض القرى والمدن الفلسطينية مثل القسطل ودير ياسين، ومحو عروبة يافا وصفد وعكا وبيسان.
وبينما كانت الخطة الرسمية تعطي سكان القرى خيار الاستسلام، كانت الأوامر العملياتية لا تستثني أية قرية لأي سبب وبهذا تحولت الخطة إلى أوامر عسكرية بتدمير القرى، واختلفت التوقيتات وفقا للموقع الجغرافي فكان على لواء ألكسندروني اكتساح الساحل بما فيه من قرى عشر في نهاية ابريل، ووصلت أوامر التطهير العرقي في شرق الجليل إلى لواء غولاني يوم 6 مايو 1948 وفي اليوم التالي تم تطهير قرية شجرة. وتسلمت عصابة بالماخ أوامرها من أجل عملية «ناخسون» في أول ابريل 1948.
وبعد هذه العملية مباشرة بدأت القيادة اليهودية توجه ضرباتها نحو المراكز الحضرية الرئيسية في فلسطين بينما وقف المسؤولون البريطانيون ومندوبو الأمم المتحدة موقفا لا مباليا حتى أن القدس بدت مدينة للأشباح. ولم يكتف البريطانيون بذلك الموقف السلبي المدان، ويقول مؤلف الكتاب إن التراخي البريطاني كان هو القاعدة، ولكنهم لعبوا دورا شيطانيا بحق عندما جردوا العدد الضئيل من السكان الفلسطينيين في بعض ضواحي القدس من سلاحهم ووعدوهم بحماية الناس من الهجمات اليهودية ولكنهم أنكروا الوعد في نفس اللحظة. وقد بدأت عمليات إبادة المدن الفلسطينية بالهجوم على طبرية بعد مذبحة دير ياسين بثلاثة أيام.
ويذكر المؤلف أن البريطانيين لعبوا أيضاً دورا مشكوكا في أمره ففي البداية وعدوا السكان الفلسطينيين بحمايتهم ولكنهم عادوا سريعا إلى حثهم على التفاوض مع اليهود على جلائهم العام من المدينة رغم وجود احتمال لتعرضهم لمذبحة على يد القوات اليهودية المهاجمة.
وتحت عنوان فرعي عن «إبادة المدن» يسرد المؤلف العديد من الجرائم التي ارتكبت ضد سكان المدن والبلدات الفلسطينية وتفاصيل المذابح التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، والإبادة الجماعية للسكان بعد تكبيل أيديهم وأرجلهم بما في ذلك الأطفال، وقيام تلك العصابات بإسقاط البراميل المتفجرة عليهم من فوق التلال المطلة على بعض المدن واستخدام مكبرات الصوت بإطلاق الضوضاء المفزعة لإرهاب السكان، وهو نفس الأسلوب الذي استخدمته إسرائيل باستخدام الطائرات التي تخترق حاجز الصوت فوق مدينة بيروت عام 1983، وفي غزة عام 2005، وهي كلها أفعال تعتبرها منظمات حقوق الإنسان جرائم يعاقب عليها فاعلوها.
ويخلص الكتاب من دراسته للجرائم الصهيونية إلى أن كل مرحلة أو عملية في المواقع الجغرافية المختلفة كانت تنتج أنماطا من السلوك تتبناها بقية القوات الصهيونية بعد ذلك، ومثال ذلك احتلال قرية كفرين وترحيل سكانها. ويقول المؤلف ساخرا إن الجيش الصهيوني بعد ذلك أخذ يمارس مهاراته على القرية المهجورة فأبادها من على وجه الأرض. وقد استخدم هذا النمط من المناورة مرات ومرات زمنا طويلا بعد انتهاء حرب 1948 حتى سنوات ما بعد عام 1950.
ويسرد المؤلف مثالا آخر هو العملية التي استهدفت المناطق المتاخمة لمدينة صفد إذ بدأت العملية بالتطهير العرقي للقرى الواقعة على طول طريف صفد ـ طبرية. وكانت أول قرية تسمى غوير. وبعد سقوط طبرية أدرك مختار القرية على الفور نوايا اليهود بالنسبة لها لأنها كانت الأقرب إلى المدينة، فطلب المساعدة من أديب الشيشكلي الذي كان على رأس جيش التحرير العربي واقترح عليه تزويد أهل القرية بالسلاح، ولكنه رفض.
وبعد الاحتلال السريع للقرية برز نمط آخر من سلوك العصابات عندما صعد جندي يهودي إلى سطح أحد المنازل وصاح متسائلا عن وجود أي دروز بين المعتقلين. وقال إن بإمكانهم البقاء إذا وجدوا، أما الباقون فإن عليهم التوجه إلى لبنان. ومع ذلك فإن هذا الخيار لم يكن متاحا للجميع لأن قوة الاحتلال قررت القيام بعملية انتقائية قبل السماح للقرويين بالرحيل.
وقد أصبحت مثل تلك العمليات الانتقائية النموذج المتبع في عمليات الطرد التالية وتجذرت عميقا في الذاكرة الجماعية الفلسطينية من سنوات النكبة وحتى الوقت الحاضر بما في ذلك عزل الرجال بين العاشرة والثلاثين من العمر وإرسالهم إلى معسكرات اعتقال بعيدا عن عائلاتهم. ورغم وجود مندوبي الأمم المتحدة، ومراسلي الميديا الغربية بمن فيهم مراسل نيويورك تايمز، لم يقدم أحد صورة كاملة عن الأحداث للقراء والمشاهدين الغربيين ولم يجرؤ واحد من المراسلين الأجانب على الانتقاد العلني لتصرفات الشعب اليهودي بعد ثلاث سنوات من الهولوكوست.
ولم يكن الطرد والهرب كافيين لإنقاذ سكان القرى فقد كان المستوطنون الماركسيون من مستوطنة هاشومير هاتزير يصطادونهم ثم يسارعون إلى نهب بيوتهم. ويقول الدكتور إيلان بابه أنه أصبح لديهم الآن سجلات كاملة بالإدانات الصادرة عن بعض السياسيين الصهاينة المعنيين في تلك الفترة والتي أمدت المؤرخين الإسرائيليين الجدد بالمعلومات عن الأعمال الوحشية التي لم يجدوا لها أثرا في المصادر الأرشيفية الأخرى. أما في الوقت الحاضر فإن هذه المستندات التي تحمل الشكاوى تفصح أكثر عن كونها محاولة من سياسيين وجنود يهود «حساسين» لإبراء ضمائرهم.
اقتل وابك
يصف المؤلف هذه الحالة بأنها تشكل جزءا من مزاج إسرائيلي أفضل ما يوصف به هو: «اقتل وابك» وهو عنوان لمجموعة من التعابير التي يفترض أنها تبكيت أخلاقي للضمير صادر عن جنود إسرائيليين شاركوا في عمليات تطهير عرقي محدودة في حرب يونيو 1967. وبالعودة إلى عام 1948، بعد مرور ثلاثة أعوام على الهولوكوست، نجد مشاعر استنكار مماثلة للتخفيف عن ضمائر منغَّصة لجنود تورطوا في جرائم حرب ضد عدد ضخم من السكان المدنيين العزل.
ولقد كان البكاء عاليا أثناء قتل وطرد أناس أبرياء أحد تكتيكات التعامل مع التورط الأخلاقي الناشئ عن الخطة داليت. أما التكتيك الثاني فهو تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم رغم أن الوكالة اليهودية وعدت هيئة الأمم المتحدة بتمتعهم بحق المواطنة الكاملة في دولة إسرائيل، ولكنهم بدلا من ذلك تعرضوا للطرد أو السجن أو القتل، وتؤكد الأحداث ذلك فضلا عما ذكره الإرهابي الصهيوني يوسف وايتس في يومياته إذ يقول: «جيشنا يتقدم إلى الأمام ويهزم القرى العربية التي يفر سكانها كالفئران»!!
وفي شهر ابريل من ذلك العام كانت مجالات الأعمال العسكرية مازالت واسعة النطاق حيث تعرضت قرى عديدة لمصير أسوأ من الطرد وأصبحت ضحية المذابح. وعكست الأوامر العسكرية اليهودية هذه المجالات عندما ميزت بين نوعين من الاعتداءات على القرى الفلسطينية: التطهير العرقي، والغارات المتكررة التي لم تحددها الأوامر أبدا ومن ثم شملت القصف العشوائي للمدن والبلدات والقرى، وإطلاق النار العشوائي غير المحدد على حركة المرور المدنية.
وفي بعض القرى المتاخمة للمراكز الحضرية اتبعت القوات اليهودية سياسة المذابح لدفع سكان المدن والبلدات إلى الهرب مثال ذلك ما حدث لقرية نصر الدين قرب طبرية، وقرية عين الزيتون بالقرب من صفد وطيرات حيفا قرب مدينة حيفا. ففي هذه القرى الثلاث أعدمت عصابة الهاغاناه جميع رجالها بدءا من العاشرة حتى الخمسين من العمر لإرهاب سكان القرى والمدن المجاورة.
وتوضح تفاصيل الجرائم التي يتحدث عنها الكتاب وشهود العيان أن مرتكبيها كانوا يكبلون أيدي وأرجل الضحايا بالسلاسل ثم يقتلونهم بدم بارد. وعندما كان بعض السكان يخرجون من مخابئهم حاملين رايات بيضاء كان أفراد العصابة اليهودية يقتلونهم عن آخرهم.
ويستشهد المؤلف بكتابين لاثنين من عصابتي الهاغاناه وبالماخ: الكتاب الأول هو «الفلسطينيون.. التاريخ والحاضر» لهانز ليبريشت الذي يقول: في نهاية مايو 1948 تلقيت أمرا من الوحدة التي أعمل بها لبناء محطة ضخ مؤقتة بتحويل مجرى جدول مياه في القرية المهجورة عين الزيتون لإمداد الكتيبة بها.
وكانت القرية قد دمرت عن آخرها وتناثرت جثث أهلها بين الأنقاض. وقد وجدنا العديد من جثث النساء والأطفال والرضع بجوار المسجد المحلي. وأقنعت الجيش بإحراقها». أما الكتاب الثاني فعنوانه «بين الأغلال» لمجندة في عصابة بالماخ اسمها نتيفا بن يهودا وكانت موجودة في تلك القرية أثناء عمليات الإعدام، وقد فضلت أن تذكر ـ بطريقة روائية ـ وصفا بشعا للطريقة التي أعدم بها رجال القرية وهم مقيدون بالأغلال والذين يقدر عددهم بعدة مئات.
ووفقا لتلك الشهادات عن المذبحة وما نعلمه عن كثير من المذابح الجماعية يتضح أن تلك المذابح لم ترتكب كنوع من العقاب على «وقاحة» الضحايا مثلا، بل لأن الهاغاناه لم تكن لديها معسكرات اعتقال لأعداد القرويين الهائلة الذين اعتقلتهم. ورغم ذلك فقد استمرت المذابح الجماعية كلما اعتقلت العصابة مجموعات كبيرة مثلما حدث في قريتي طنطورة والدوايمة. ويؤكد التاريخ المروي أن المواد الأرشيفية الإسرائيلية لا تحكي القصة الحقيقية، بل هي شحيحة جدا بالنسبة للوسائل التي استخدمت، ومضللة أيضاً بالنسبة لحقيقة أعداد الذين قتلوا في ذلك اليوم المشؤوم من شهر مايو 1948.
القاووقجي على الساحة
إذا تركنا كثيرا من تفاصيل المذابح في قرى ومدن فلسطين والتي نعرف نحن العرب كثيرا منها نجد أن الدكتور إيلان بابه ينتقل في كتابه بعد ذلك مباشرة إلى الحديث عن ردود الفعل العربية بادئا بشهر ديسمبر 1947 عندما احتلت القوات اليهودية أولى القرى ودمرتها، وبدا أن الجليل هي المنطقة الوحيدة التي تتوفر فيها فرصة لوقف الهجمات اليهودية بمساعدة فوزي القاووقجي الذي قاد جيشا من ألفي رجل وأثار حماس السكان المحليين بشن سلسلة من الهجمات ضد المستوطنات المنعزلة، غير أنها لم تكن هجمات ناجحة ولم تسبب أي تغيير جوهري في ميزان القوى.
ويرى المؤلف أن قدرات القاووقجي كانت محدودة بسبب استراتيجيته المتمثلة في تقسيم قواته إلى وحدات صغيرة وإرسالها إلى العديد من المدن والبلدات والقرى حيث شكلت قوة لا تكفي للدفاع. ولقد كان وجود جيش كهذا من المتطوعين كفيلا بإضعاف موقف اليهود ودفع الفلسطينيين إلى مواجهة مباشرة، ولكن ذلك لم يحدث.
وعلى العكس من ذلك فإن فوزي القاووقجي بدأ يسعى إلى عقد هدنة في يناير 1948 واستمر في ذلك طوال شهري فبراير ومارس بعد أن شن هجمات على سلسلة من المستوطنات المعزولة، وعلى القوافل اليهودية التي جاءت لمساعدتها. ولما أدرك أن اليهود يتمتعون بالتفوق بكل المعايير العسكرية، حاول التفاوض مباشرة مع اللجنة الاستشارية الصهيونية لأنه كان يعرف بعض أعضائها منذ ثلاثينات القرن العشرين. وفي نهاية شهر مارس التقى مع يهوشوا بالمون.
وقد عرض القاووقجي على بالمون عقد اتفاقية عدم اعتداء تُبقي القوات اليهودية في إطار الدولة اليهودية المقررة، وتسمح في النهاية بإجراء مفاوضات حول دولة كانتونات فلسطينية. ولم تكن هناك حاجة لمعرفة مصير تلك الاقتراحات التي رفضها الصهاينة. ويضيف مؤلف الكتاب أن القاووقجي لم يعرض وقفا لإطلاق النار فحسب، بل عرض أيضاً إعادة مسألة الوجود اليهودي في فلسطين إلى جامعة الدول العربية لمناقشة مستقبلها.
ويرى المؤلف أن بالمون كان قد أُرسل من جانب الصهاينة كجاسوس لا لإجراء مفاوضات. وقد أدهشه فقر المعدات والافتقار إلى روح القتال في جيش التحرير العربي، وكانت تلك هي المعلومات الأساسية التي كانت اللجنة الاستشارية تود معرفتها. وقد رافق ظهور القاووقجي وصول متطوعي الإخوان المسلمين من مصر إلى السهل الساحلي الجنوبي لفلسطين.
ويشير المؤرخ بابه إلى أنهم كانوا يبدون حماسا شديدا، ولكن بدون فاعلية كجنود أو كأفراد تشكيل عسكري. وسرعان ما ثبت ذلك سريعا عندما احتلت القرى التي كان عليهم الدفاع عنها وأخليت من سكانها ثم دمرت في تتابع سريع. وفي يناير 1948 ارتفع مستوى الخطابة العربية الحماسية إلى أعلى درجة.
ولكن الحكومات العربية لم تتحرك لتتجاوز الحديث عن الحاجة إلى إنقاذ فلسطين في نفس الوقت الذي كانت فيه الميديا المحلية والصحافة الأجنبية، وخاصة صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، تنقل تقارير مستمرة عن الهجمات اليهودية ضد القرى الفلسطينية وضواحيها. أما عبدالوهاب عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية فقد كان أمله أن تتدخل الأمم المتحدة وتعفي الدول العربية من مواجهة مباشرة في فلسطين.
عرض ومناقشة: صلاح عويس
البيان الاماراتيه