مدمروا الجسور:
في ظل غياب صورة واضحة لما يجري على طول الحدود المشتركة بين البلدين، واصل سلاح الجو الايراني سعيه الحثيث للحصول على السيادة الجوية فتم تسجيل صبيحة 26 سبتمبر لوحدها اكثر من مائة طلعة جوية مقاتلة الا انها لم تؤدي الى النتيجة المرجوة منها بفعل اعتماد الضربات التي تقوم بها تشكيلات صغيرة والابتعاد أكثر فأكثر عن الهدف الأصلي المتمثل في تدمير المطارات العراقية.
في الصباح أقلع رف بقيادة الرائد الجسور ياسيني من مطار بوشهر لاعتراض قافلة من شاحنات الصهريج كانت في طريقها من الكويت حاملة لامدادات نفطية للعراق، بعد مرور الرف عبر الخليج العربي اخترق أجواء جزيرة بوبيان الكويتية قبل أن يدخل المجال الجوي العراقي في محافظة صفوان الجنوبية اين وجد أكثر من اربعين شاحنة صهريج محملة بالوقود في طريقها الى البصرة أين سلط عليها الرف نيران مدافعه عيار 20 ملم التي سببت انفجارات مهولة وسط القافلة قبل ان يرجع سالما الى ايران.
حوالي منتصف النهار أقلعت اربع مقاتلات فانتوم من بوشهر مرة أخرى باتجاه جسر سندباد الرابط بين شط العرب وشمال البصرة، اعتبر الجيش الايراني ان هذا الجسر يقوم بدور حيوي في الامدادات القادمة الى الارتال العراقية المخترقة لجونب ايران اتجاه عبادان والاحواز، كان يقود الرف الرائد ياسيني مرة أخرى بالاضافة الى رفاق ذوي خبرة كالرائد نزاري والرائد دامريان والنقيب ساجدي.
كانت كل طائرة محملة باربع صواريخ مافريك، وعند وصول الرف الى هدفه اطلق الرائد ياسيني صاروخين اخطأ هدفهما وارتطما بالارض القريبة مسببين سحابة كبيرة من الغبار حجبت رؤية الهدف عن باقي الرف وبحكم ان صواريخ مافريك تتطلب رؤية جيدة بما أنها موجهة تلفزيونيا، فحول الرف هدفه وبدأ في البحث عن اهداف اخرى اين وجد الرائد ساجدي دبابتين عراقيتين فدمرهما بينما اطلق الرائد نزاري صاروخين على سفينتين تجاريتين.
الجسر كان محميا ببطارية مدفعية ZPU عيار 14.5 ملم رباعية الفوهات بقيادة رقيب عراقي ظل يطالب بالاعتراف له باصابته لطائرتين على الاقل في حين ان الطيارين الايرانيين لم يسجلوا في تقريرهم تعرضهم لنيران مقاومة أرضية.
جرب سلاح الجو الايراني عدة مرات بعد ذلك وعلى امتداد شهور تدمير الجسر الذي ظل يعتبره حيويا بدون أي نجاح يذكر ، وبعد ذلك اعترف سلاح الدفاع الجوي العراقي للبطارية المقاومة بدورها في حماية الجسر عن طريق السد لاناري الذي اقامته فتم ترقية قائد البطارية الى رتبة ضابط تكريما له على جهوده.
من جهته واصل سلاح الجو العراقي نشاطه في ضرب وتدمير ممرات المطارات الايرانية خاصة وانه لم توكل اليه أي مهمة لدعم قواته البرية على طول الحدود مع ايران.
القتال الغير مسلح:
أحد خفايا هذه الحرب الطويلة والغير معروفة تتعلق بالاستطلاع والتصوير الجوي فرغم أن الطائرات المخصصة لهذه المهمة كانت جد حيوية وثمينة للطرفين، إلا أنها كانت تقوم بمهامها معزولة منفردة وغير مسلحة وكان على الطيار ان يواجه منفردا كامل منظومة الدفاع الجوي للخصم ولا يرافقه في ذلك الا بيدهته وحسن تصرفه وقدرته على القيادة للنجاة بجلده.
كانت الوحدة العراقية الرئيسية تتمثل في السرب 70 الذي كان يقوده الرائد عصام وكان موزعا على قاعدتي الرشيد والوحدة الجوية وبامرته 12 طائرة MIG-21 MF و اربع مقاتلات MIG-21R.
يوم 25/09 قامت طائرتين بقيادة النقيب اثير باستطلاع كامل لمحافظة خوزستان ، كانت الظروف الجوية ممتازة تماما باستثناء بعض التأثيرات السيئة للدخان الناتج عن مصفاة عبادان النفطية في الجنوب.
أقلع الرف عند منتصف النهار تماما ، الوقت المثالي لمثل هذا النوع من الحركات عادة، وقام باستطلاع الطريق الرابط بين عبادان والاهواز، دون ان يهمل الطياران المسح البصري المستمر للسماء خوفا من اي اعتراض ايراني مفاجئ فطائرتيهما غير مسلحتين ولا يملكان الا حدة بصرهما والتحليق بسرعة عالية على ارتفاع منخفض للافلات من اي مفاجأة غير مستحبة، لم يلاحظ الطياران اي شيئ غير عادي ووصلا بسرعة الى الجسر المركزي المقام فوق نهر قارون اين قررا العودة الى قاعدتهما.
بتحليل نتيجة الاستطلاع اعتقد الجيش العراقي بوجود ثغرة في الجبهة عند نهر قارون مما دفع بالجيش الى دفع ارتاله نحو خوزستان.
في الجانب الاخر كانت وحدات الاستطلاع الايرانية تتمثل في طائرات RF-4 بشهروخي وبوشهر وطائراتRF-5 ، كانت طائرات F-5 مخزنة بالمخازن عند قيام الحرب بينما جهزت اربع منها الى الفئة A لبيعها للاردن غير ان اندلاع الحرب اجبر سلاح الجو الايراني على اعادة هذه الطائرات للخدمة.
كان طياروا الاستطلاع الايرانيين مدربين جيدا على مثل هذه المهام واكتسبوا خبرة طويلة من استطلاعهم المستمر لجنوب الاتحاد السوفيتي طوال الستينات والسبعينات، وبعد أن كانوا على الهامش بعد اندلاع الثورة اصبحوا فجأة عملة نادرة وثمينة يحتاج اليهم الجيش لمعرفة ماذا يجري بدقة على الجانب الاخر من الحدود.
اقلعت يوم 28/09 طائرة RF-5 بقيادة الرائد بولند داودي من مطار مهر أباد وقام باستطلاع قطاع الحويزة اين لفت انتباهه أعمدة من الغبار المتصاعد مما يدل على حركات عسكرية كبيرة فقام بالتحليق نحوها اين وجد قطعات تابعة للجيش العراقي استقبلته بوابل قوي من نيران المضادات الارضية مما اجبره على القيام بمناورات حادة والعودة الى مطار فهداتي وعند محاولته الهبوط فوجئ بعد قدرته على التحكم في مقدمة الطائرة التي كانت تغطس كلما حاول اللنزول مما اجبره على رفع سرعته الى حدود 500 كلم ساعة اي ضعف السرعة الموصى بها للهبوط غير انه كان الخيار الوحيد لديه وقام باطفاء محرك طائرته فور ملامسة العجلات للارض ولم تتوقف الطائرة الا بعد ان اجبرها الحاجز الامني المقام نهاية الممر على ذلك.
عند خروجه من الطائرة فوجئ بها وقد تحولت الى مايشبه الغربال لكثرة ما اطلق عليها من نيران.
لم يكن الا الحظ ومعجزة وصلابة منتجات نورثروب وراء هبوطه سليما معافى.